المشكلات النفسية وعلاجهاالخوف: أعراضه، أنواعه، نتائجه و علاجه

 

 

 

اعداد الدكتور / سام نان

تلقيتُ رسالةً صوتيةً هذا الأسبوع من أحد القرّاء «مشكوراً» يسألني عن موضوع يقلقه جداً، ألا وهو الخوف، فبرغم أنه كبيرٌ في السنِّ وراشدٌ، إلا أنه مازال يخاف.
ولمّا اتصلتُ به وسألته عن الشيء الذي يخاف منه بالتحديد، قال لي: أخاف من الظلام، من الصمت، من النوم، من الموت…
فقررتُ أن أكتب في هذا العدد عن الخوف المرضي وأسبابه وعلاجه. حتى يعرفُ ممن يعانون من الخوف كيف يتغلبون عليه نهائياً، حيث إن الخوف له عذابٌ مرير.

أولا تعريف الخوف:

هو شعور يُصيب الشخص إما كحالة مؤقتة عند التعرض لموقف مخيف، أو كحالة مرضية مستديمة وهنا تحتاج للعلاج.
فالخوف في كل الحالات مرتبط ارتباطا وثياً بالـ «ترقّب» أو بمعنى آخر «التوقع» أي أن الإنسان مترقب شيء ما قد يؤذيه أو يؤذي ذويه، وفي هذه الحالة يصيبه الخوف.
فإصابة الابن بمرض خطير ووجوده في غرفة العناية المركزة مثلاً.. يجعل والده يصاب بالخوف، والخوف هنا مرتبط بحدث لم يتم حدوثه بالفعل «وهو موت الابن» ولكنه مرتبط بترقب الأب لسماع هذا الخبر من الطبيب أو توقع الأب أن ابنه ربما يموت هذا ما يتسبب في إصابة الأب بالخوف، وهو كما قلنا حالة مؤقتة قد تزول بإزالة المثير، أي خروج الابن من العناية المركزة وهو بحالة مستقرة جيدة، في هذه الحالة تقل حدة الخوف، وفي بعض الأحيان ينقلب الشعور بالخوف إلى حالة التمني، وهو طلب الشفاء الكامل للابن.
أو أن شخصاً يواجه حيواناً مفترساً، فيتوقع أن هذا الحيوان سوف يهجم عليه ويقضي على حياته، بالتالي يُصابُ بالخوف المرتبط بالتوقع، وهو إنهاء حياته بأنياب هذا الحيوان المفترس، ويزول الخوف عند مغادرة الحيوان للمكان بدون أن يوقع الأذى بهذا الشخص.

ثانياً أعراض الخوف:

إن أعراض الخوف أو بعبارة أخرى ردود الفعل المفاجئة للتعبير عن خوف كثيرة نورد المجمل فيها كما يلي:
الشعور بارتعاش كلي أو جزئي في الجسد كعلامة من علامات الخوف أو الهلع.
فعندما يشعر الشخص بالخوف يبدأ الدم في التدفق بسرعة في العضلات من أجل تهيئتها لاتخاذ ردّ فعل مناسب للوضعية التي يوجد فيها.
وهناك ثلاث مراحل يمر بها الذي يتعرض للخوف المفاجئ:

– المرحلة الأولى: الرجفة المفاجئة وهي اهتزاز لكل خلايا الجسم لمدة لحظة وهي الوهلة الأولى للتعبير عن الخوف.

– المرحلة الثانية: يفرز الجسم كميات زائدة من هرمون أدرينالين، والذي يدفع الإنسان للبعد عن مصدر الخوف المفاجئ كالبعد خطوة للوراء أو البُعد بالرأس للخلف وهو تعبير عن الاستعداد للهروب من مصدر الخوف.

– المرحلة الثالثة: يؤدي إفراز الهرمون ذاته إلى تهيئة الخائف للدفاع عن نفسه، وهي أيضاً مرحلة مفاجئة قد تكون خارج إرادة الإنسان، كالمرأة التي عندما يفاجئها أحد وهو خلفها تلتفت وتلطمه دون أن تميز مَنْ هو ذلك الشخص، وهذه الخطوة ليست موجودة عند الجميع، ولكن هناك ردود أفعال أخرى للدفاع كالهرب أو الاختباء.

وهناك أشياء عديدة تحدث في جوانب مختلفة من جسم الإنسان عند الشعور بالخوف.

الدماغ: تقوم اللوزة الدماغية بإرسال إشارات كيميائية لمساعدة الإنسان على مواجهة الخطر.

التعرق: قد يتعرض الإنسان الذي يواجه الخوف لتصبب العرق، الذي يفرزه الجسم لدى الإحساس بالخوف وهذا العرق هو علامة لاستعداد الجسم للتعامل مع الوضع المخيف.

التنفس الزائد: خلال الخوف يتصاعد مستوى الشهيق والزفير لدى الإنسان، ويساعد ذلك على ضخ مزيد من الأوكسجين في الجسم لمساعدته على الهرب أو الدفاع عن النفس.

المثانة: هي من الأعضاء التي يمسها تأثير أكبر عند الشعور بالخوف، إذ تصبح تحت ضغط أكبر، ما يؤدي عند البعض إلى التبول غير الإرادي.

ثالثاً أنواع الخوف:

أولاً الخوف الفطري الطبيعي:

إنّ الخوفَ شعورٌ فطريٌّ مُكتَسب؛ أي أنَّه موجودٌ في الطبيعة البشرية بالميلاد وهو أيضاً مكتسب من خبرات سابقة.
لكن المواقف المُثيرة للخوف تكتسب قوتها وشدتها بالتعلم المقترن بالشعور بالألم أو الضيق، لذا فهي مختلفة بنوعها وتأثيرها من شخص لآخر، فمثلاً يخاف الإنسان الذي يتعرض للغرق، فلو كان طفلاً أو بالغاً ولا يعرف السباحة فإنه لو تعرض للغرق، فمن الطبيعي أن ينتابه الخوف.
أو الخوف من المفاجآت، فلو كان أي إنسان جالساً بمفرده وفاجأه شخص بظهوره أمامه أو أصدر صوتاً مفاجئاً في هذه الحالة يحدث تغيرات مفاجئة في الجسم للتعبير عن الخوف.

ثانياً الخوف المرضي: (الفوبيا)

تُعرَف الفوبيا بأنّها الخوف الشديد والرهاب غير العقلانيّ من كائن معين، أو وضع معين، وتصنّف الفوبيا من ضمن اضطربات القلق، لأنّ القلق من الأعراض الرئيسية التي يعاني منها الأشخاص الذين لديهم فوبيا معينة، ويُعتقَد بأنّ الرهاب علامة للاستجابة العاطفيّة، وقد يحدث الرهاب بسبب حادثة قديمة مكبوتة في العقل الباطن والتي تتسبب في خلق عقدة نفسية من نفس الشيء الذي تعرض له في حياته.
فمثلاً إذا رأى طفلاً حادث غرق حدث أمام عينيه فهو بالتالي يخاف من منظر البحر أو من السباحة حتى بعد تقدمه في العُمر.
أو أن طفلاً شاهد خيانة زوجية حدثت أمام عينيه فهو بالتالي يفقد الثقة بجميع الناس ودائماً يفسر الكلمات أو الأفعال -حتى البسيطة منها- على أنها أفعال تهدف إلى ارتكاب الخيانة.
أو أن شخصاً شاهد شخصاً يسقر من مكان مرتفع ويرتطم بالأرض، فيصاب بفوبيا الأماكن العالية.

ومن أشهر أنواع الفوبيا والخوف كالآتي:

فوبيا الهواء: وهي الخوف من الطيران.
فوبيا الأماكن العالية: وهي الخوف من الأماكن العالية أو المصعد أو التلفريك.
فوبيا القيادة: وهي الخوف من قيادة السيارة، أو قيادة آخر للسيارة التي يقلها الشخص المصاب بالفوبيا.
فوبيا الاحتجاز: وهي الخوف من التواجد في الأماكن الضيقة. أو المغلقة، ففيها يشعر بالاختناق وضيق التنفس.
فوبيا الخلاء: وهي الخوف من التواجد في مكان خالٍ، أو مساحات مفتوحة، حتى في الفيلات أو الشقق الواسعة.
فوبيا الظلام: وهي من أكثر أنواع الفوبيا المحطمة للإنسان، لأنه لا يخاف من الظلام فقط بل يخاف من مشاهدة مشهد فيه ظلاماً حتى لو كان في الأفلام السينمائية.
فوبيا الوسواس المرضي: وهي الخوف من المرض، ويشعر الأشخاص المصابون بهذا النوع بالوساوس الكثيرة حول الأمراض، وخوفهم من الإصابة بها حتى بمجرد ذكرها أمامهم، خصوصاً مرض السرطان، ويشعرون بحالة من الهلع بمجرد شعورهم بأي تغيّر في الجسم أو الشعور بالصداع أو غيره.
فوبيا الموت: وهي الخوف من مواجهة الموت، فيسابعد الشخص فكرة أن عمره سينتهي يوما ما، ويرفض فكرة الموت وإيداعه في قبر مغلق مظلم.
فوبيا الفقدان: وهي الخوف من فقدان شخص عزيز غالي أو شيء ثمين يحتفظ به الشخص.
الفوبيا الاجتماعية: وهي الخوف من مقابلة الناس، والظهور أمامهم، ويشعرون بخوف شديد من انتقاد الآخرين لهم، ويخشون التكلم أمام جمع غفير من الأشخاص، ويشعرون بارتباك شديد، مع رجفة في الأطراف، والتلعثم، والتعرق.
فوبيا الحيوانات: وهذا النوع من الخوف يظهر في مراحل عمريّة مبكرة جداً، وتحديداً قبل البلوغ، حيث يخاف المصابون به من الحيوانات والحشرات والزواحف، مثل الكلاب، والقطط، والعصافير، والعناكب، والصراصير، والنحل، وغيرها.
فوبيا غير الموجودات: وهي الكائنات غير الملموسة أو المرئية، وهي من أنواع الفوبيا الخطيرة التي من المممكن أن تعصف بحياة الإنسان إن استسلم لها، كالخوف من الجن، والخوف من الغيبيات، مثل ما بعد الموت.
الفوبيا النوعية: مثل الخوف من الوظيفة الجديّة، والخوف من المدير، والخوف من الظلم، والخوف من الفشل، والخوف من الامتحانات، والخوف من الرعد، والخوف من حوادث السيارات، والخوف من النار، والخوف من البحر.

ثالثاً نتائج الخوف:

تظهر على الجسم نتائج عند الشعور بالخوف، حيث تظهر مجموعة كبيرة من التغيرات ومن بينها: الحركة الزائدة، وعدم القدرة على التحكم في النفس. الغضب السريع، والانفعالات القويّة. اضطراب في نبضات القلب وتسارعها. الشعور بالإرهاق والإجهاد والضعف العام في الجسم. كثرة الإفرازات العرقيّة في جميع أنحاء الحسم. الإصابة بالإسهال، وعسر الهضم. العجز عن تناول الطعام والشراب، مع فقدان الشهية. التبول الزائد عن الحد. برودة الأطراف، وظهور قشعريرة في جميع أنحاء الجسم. قلة إفراز اللعاب وجفاف الفم، والشعور بالعطش الشديد. ارتفاع مستوى هرمون الأدرينالين، والكورتيزون في الجسم. الشعور بالغثيان، والدوار. صعوبة التفس. فقدان القدرة على التركيز. الشعو بضيق شديد، ووخزات ألم متعدّدة وضيق خصوصاً في منطقة الصدر.

رابعاً علاج الخوف:

أرى دائماً أن علاج أي مرض نفسي أو حالة نفسية إنما هو أمر في يدي الإنسان نفسه، ودور الطبيب أو الأخصائي النفسي ما هو إلا العمل على تبصير المحتاج للعلاج على أسباب مرضه والنتائج التي قد تطرأ عليه إن لم يعالج نفسه، ووضعه في تدريبات نفسية تساعده على التخلص مما يعاني منه أياً كان الأمر.

وتتلخص طرق علاج الخوف في الآتي:

> علاجُ المواقفِ التي تقومُ على المُعتقداتِ الخاطئة:
يقومُ هذا الأسلوبُ على مخاطبةِ المنطقِ لدى المريضِ وتصحيحِ الاعتقاداتِ الخاطئةِ التي تَقودهُ إلى الشّعورِ بالخوف، وغالباً ما تكون المخاوف في هذهِ الحالةِ تقومُ على أمورٍ افتراضيّةٍ يُفكّر بها الشّخص؛ فمثلاً الأشخاصُ الذين يعانونَ من الخوف من استخدام المِصعد أو «فوبيا المصاعد»؛ هم أشخاصٌ يعتقدونَ بأنَّ المِصعد لو توقّف فإنّ الهواءَ سينفد، وأنّهم سيعانونَ من نقصٍ في الأكسجين ثمَّ الاختناق، وبالتّالي فإنّ سبب خوفهم هو مُجرَّد هواجسَ وأفكارٍ من المُمكن تصحيحها، وليسَ مبنيّاً على واقعٍ أو حقائقَ علميةٍ.

> مواجهة المثير: وهذا النوع من العلاج يكون عن طريق إرغام المريض على مواجهة مخاوفه أو المثيرات التي تُسبب له الخوف، ويتم ذلك إما عن طريق المواجهة بالتخيل أو المواجهة الحقيقية. المواجهة بالتخيل هي أن يطلب المعالج من المريض أن يتخيلَ المواقف التي تجعله خائفاً وتثير قلقاً كبيراً لديه، ويهول الخيال له ويستثيره ليُشعرَه بخوف أكبرٍ وبعدمِ راحة أكبر، حيث يتدرَّج الشّعور بالخوف من المواقف الأقل إثارة إلى الأكثر إثارة ليصبح المريضُ بحالة من القلق الشديد لمدة طويلة من تخيلِ ما يخيفه، والتفكير به والخوف منه حتى يتحصّن تدريجيّاً هذا الخوف ويتخلّص منه.

> الغمر بالواقع: في هذه الحالة يرغم الشخص الذي يعاني من الخوف على مواجهة مخاوفه بشكل مباشر لفترات طويلة بحيث يتصاعد القلق نسبياً حتى يصل إلى ذروته ثم يبدأُ بعد ذلك بالانخفاضِ التدريجيّ. فمثلاً، إذا كانَ الشخص يخاف من السباحة فيجبره المعالج على النزول في حمام سباحة «مع المراقبة» إلى أن يطمئن قلبه للمياه وخطوة بخطوة تقلّ حدة الخوف إلى أن يتلاشى تماماً.

> التبصير بالواقع: فعلى الأخصائي النفسي أن يبصّر المصاب بالخوف بأن هناك واقعاً لابد أن يواجهه بشجاعة، فمثلاً الموت أمر حتمي وغير مخيف، وعليه أن يشرح له أن الإنسان عندما يموت لا يشعر أنه يموت، خصوصاً إذا مات في حادث أو نتيجة المرض، فالمريض نفسه يتمنى الموت حتى يرتاح من آلام المرض، ويبصره أيضاً بأن الشخص الميت شعوره وهو ميت، هو نفس شعوره قبل أن يأتي إلى الحياة، فلو سأله الأخصائي ماذا كان شعورك قبل أن تجيء إلى الحياة، لن يجد المريض إجابة على هذا السؤال، فهذا هو بالضبط شعوره عندما يموت، لأنه يذهب إلى اللاوجود.

Loading

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com