استقبلت القيادات الإسرائيلية، بحفاوة ظاهرة، رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، واعتبرت زيارته تاريخية، ليس فقط لأنه أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل منذ تأسيسها قبل 70 عاما، بل بسبب التحول الاستراتيجي في العلاقات بين البلدين، وصفقات الأسلحة الضخمة، والتعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي الكبير. وفي لحظة حماس، قال مودي: إن «من شأن التعاون الحقيقي بين إسرائيل والهند أن يغير وجه العالم».
وكان رئيس الوزراء الهندي قد عانق نظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طويلا لدى وصوله تل أبيب، وقال: إنه «لشرف لي أن أكون أول رئيس حكومة في الهند يزور إسرائيل». ثم كتب في تغريدة على «تويتر»: «سلام على شعب إسرائيل»، باللغة العبرية. بالمقابل، أكد نتنياهو أنه يسعى إلى تعزيز علاقة بلاده مع الهند، بصفتها علاقة استراتيجية، ووصف الزيارة بأنها «تاريخية». وأضاف نتنياهو، في بيان عممه الناطق بلسانه، بمناسبة حلول الذكرى الخامسة والعشرين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين: إن «السماء لم تعد حدودا للتعاون بيننا؛ لأننا بالتعاون في مجال الفضاء، اخترقنا حتى السماء».
وكشف نتنياهو، عن أن هذه الزيارة تأتي ثمرة سياسة انتهجها مع نظيره الهندي قبل سنوات (سنة 2014)، عندما وجد كل منهما نفسه صاحب فكر يميني وقومي ليبرالي مشابه، ومصالح وطنية مشابهة. وقال: «تحدثنا معا قبل سنوات عدة، أثناء لقائنا الأول في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، ثم في مدينة دافوس، ونحن نشارك في هذه الجهود حكومتينا وشعبينا، حيث الهدف هو تشكيل صداقة ثابتة فيما بيننا، وتعاون في مكافحة الإرهاب وفي بناء اقتصاد مزدهر».
وقد بدأ مودي زيارة لإسرائيل تستمر ثلاثة أيام، سيوقع خلالها على سبع صفقات تعاون في مجالات بيع السلاح، وتبادل الخبرات الأمنية في مكافحة الإرهاب، وفي سلك الفضاء، وفي التكنولوجيا العالية، والزراعة، وتحلية مياه البحر. وسيلتقي، بالإضافة إلى نتنياهو، كلا من رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، وكبار المسؤولين في الحكومة، ورئيس المعارضة، وسيزور مرافق صناعية وزراعية، إضافة إلى الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وعلى غير عادة كبار المسؤولين في العالم، لن يزور مودي رام الله، مقر السلطة الفلسطينية متجاهلا الانتقادات في بلاده والاتهامات بأنه «لم يحافظ على التوازن في العلاقات السياسية». وقال مودي مفسرا هذا الموقف: «لقد التقيت الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الهند قبل شهرين، وموقفنا من القضية الفلسطينية لم يتغير. فنحن نؤيد حل الدولتين وندعم كل الجهود لتحقيق التسوية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. لكننا نفصل بين هذا وبين التعاون مع إسرائيل الذي يخدم مصلحة البلدين».
وأوضح نتنياهو، أن زيارة مودي سترسخ التعاون في تشكيلة واسعة من المجالات بما فيها الأمن والزراعة والمياه والطاقة، وأي مجال تقريباً تعمل فيه إسرائيل. وأضاف: إن «الهند دولة ضخمة فيها أكثر من 1.25 مليار نسمة، وهي واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها نموا. العلاقات بين إسرائيل والهند في تحسن متواصل».
المعروف أن الهند لم تقم علاقات مع إسرائيل قبل العام 1992، وحتى بعد مؤتمر مدريد للسلام وقيام عشرات الدول بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، خصوصا في عهد إسحاق رابين، فإن الهند بقيت تتحفظ على تعميق العلاقات مع إسرائيل، وبدا واضحا أنها ترجح العلاقات مع العالم العربي. ولكن هذه السياسة تغيرت، حال فشل حزب المؤتمر وفوز مودي بالحكم. فقد اكتشفت إسرائيل الرغبة عنده في «تحويل الهند إلى إمبراطورية قوية تجابه الخطر الداهم لها من الصين وباكستان، وتواجه خطر إرهاب من بعض المتطرفين المسلمين، الذين يحتمون في التجمعات الإسلامية الضخمة داخل الهند». وعلمت أن حكومة مودي ترصد 100 مليار دولار لتعزيز قدراتها العسكرية.
وقد عرضت حكومة نتنياهو اقتراحا مغريا على مودي، لبيع جيشه طائرات إسرائيلية بلا طيار، تتم صناعتها في الهند نفسها، بإشراف الصناعات الجوية الإسرائيلية. وستصل قيمة هذه الصفقة عشرة مليارات دولار لعشر سنوات، بدأتها في أبريل (نيسان) الماضي، حيث أبرمت الهند اتفاقا مع الصناعات الجوية الإسرائيلية بقيمة ملياري دولار، في حين وصف بأنه «أكبر صفقة دفاعية» في تاريخ الدولة. وبموجبها ستقوم الشركة الإسرائيلية بتزويد الهند بمنظومة دفاعية متقدمة من صواريخ أرض – جو متوسطة المدى، وقاذفات، وتكنولوجيا اتصالات وطائرات بلا طيار. وتم الإعلان في وقت لاحق، عن صفقة قيمتها 630 مليون دولار لتزويد البحرية الهندية بأنظمة الدفاع الصاروخ.
وكانت قد أبرمت صفقات أخرى عدة، منذ وصول حزب الشعب الهندي (باراتيا جاناتا) إلى الحكم عام 2014، وتبحث الهند عن شريك إسرائيلي في مشروع مشترك لوحدتها المختصة بنظم الاتصالات والحروب الإلكترونية. غير أن البلدين يؤكدان أن علاقاتهما ليست مجرد صفقات سلاح، حيث سيبحث مودي خطة دعم إسرائيلية لتحسين الأمن الغذائي في الهند. وتشمل الخطة توسعة 26 مركز خبرة زراعيا كانت إسرائيل قد أنشأتها في 15 ولاية هندية للمساعدة في زيادة إنتاج كل شيء من الخضراوات إلى المانجو والرمان. ويريد مودي أن تسهم الشركات الهندية في تحويل هذه المراكز الصغيرة إلى كيانات تجارية كبيرة تساعد عشرات الألوف من المزارعين على زيادة إنتاجيتهم.
يهود الهند في إسرائيل
يعيش في إسرائيل نحو 70 ألف يهودي من أصل هندي، هاجرت غالبيتهم إليها في السنوات الأولى لقيام إسرائيل ابتداء من سنة 1949، وهاجر قسم منهم في القرون السابقة. وقد بقي في الهند نفسها نحو 5 آلاف يهودي، يعيشون في المناطق الشمالية من البلاد. ووفقا لكتب التاريخ التي أعدها الهنود، فإن أصولهم تعود إلى ثلاثة مصادر: قسم منهم هاجروا إلى الهند من فلسطين مع خراب الهيكل، قبل ثلاثة آلاف سنة. وقسم آخر هاجروا من الأندلس، بعد انهيار الدولة العربية. والقسم الثالث والأكبر، هم من يهود العراق. وقد كانوا أصدروا صحيفة باللغة العبرية المكتوبة بالأحرف العربية هناك.
وقد تعبت الصهيونية كثيرا في إقناعهم بالهجرة إلى إسرائيل؛ إذ إنهم كانوا مرتاحين في الهند، ولم يعانوا من عنصرية أو ملاحقات، مثل يهود أوروبا. ولكن عندما وصلوا إلى إسرائيل، بدأوا في رحلة عذاب وعناء شديدة. فالقيادات الصهيونية الاشكنازية، تعاملت معهم، كما تعاملت مع بقية اليهود الشرقيين، باحتقار.
وهؤلاء اليهود، المعروفون بأخلاقهم الحميدة وهدوئهم وابتعادهم عن أعمال الاحتجاج، بدأوا يتجمعون ويتعاضدون معا حتى أصبحوا شريحة سكانية منظمة. بنوا أماكن عبادة خاصة بهم (نحو 50 كنيسا). أقاموا مهرجانا سنويا يجمعهم أسموه «مهرجان الحنة»، ومارسوا عاداتهم وتقاليدهم المميزة، وطبخوا طعامهم الخاص، وأصدروا صحيفة باللغة الهندية. وهم يعيشون اليوم ضمن مستوى الطبقة الوسطى، الكثير منهم متعلمون ومثقفون، ويديرون مصالح تجارية ومصانع ناجحة، ويهتمون بدفع تبرعات سخية لتمويل اليهود الباقين في الهند، وترميم مؤسساتهم، وتخليد ذكراهم، وصيانة المقابر اليهودية هناك. وهم يبتعدون عن السياسة، أشهرهم هو الشاعر نواح مسيل.