يرى عدد من المتخصصين في التكنولوجيا أن تطبيق ما يسمى الصيام الإلكتروني يشكل فرصة لتخلص البشر من تبعات إدمان العالم الافتراضي والارتباط طوال الوقت بشبكات التواصل الاجتماعي التي تعد سلبية وتدفع أحيانا للشعور بالاكتئاب، مشيرين إلى المزايا الإيجابية للابتعاد عن النت.
تحولت شبكات التواصل الاجتماعي على الرغم من فوائدها ودورها في التواصل بين الثقافات المختلفة وإثراء الحياة الاجتماعية وتوفير المعلومات اللازمة في الحياة العلمية والعملية إلى تخمة تكنولوجية أدخلت المستخدمين في دوامة العالم الافتراضي، فكان الحلّ لمواجهة تلك التخمة هو ما يسمى «الصيام الإلكتروني».
وتعتمد فكرة «الصيام الإلكتروني» على مواجهة تأثير العالم الافتراضي السلبي على الحالة النفسية والاجتماعية للإنسان والتقليل من سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي على حياته، ويكون تطبيقه من خلال الابتعاد التدريجي عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية لفترات زمنية معينة تتزايد مدّتها تدريجيا حتى يصبح العالم الافتراضي شيئا هامشيا وغير أساسي في حياة مستخدميه ولا ضرورة من وجوده سوى في أوقات الحاجة فقط.
وقد أفادت دراسة أعدتها جامعة بيتسبيرغ بولاية بنسيلفانيا الأميركية أن «الصيام الإلكتروني» ينقذ الإنسان من الشعور بالوحدة ومشاعر الاكتئاب التي تحيط بمستخدمي الإنترنت، كما يحميه من العزلة الاجتماعية التي تخلق بينه وبين محيطه حاجزا يعيق التواصل الجيد مع عالمه الحقيقي، بالإضافة إلى التقليل من خطورة الاستخدام المفرط للعالم الافتراضي، والذي يؤدي إلى ما يسمّى بالتخمة التكنولوجية التي عادة ما تكون بحاجة إلى علاج نفسي.
وقال محمد هاني، استشاري الصحة النفسية «الفراغ الواقعي هو أكثر ما يدفع الشخص إلى الاستخدام المفرط للإنترنت والأجهزة الإلكترونية، فإذا ما انشغل الإنسان في شيء ما استطاع الاستغناء عن عالمه الافتراضي الذي يخلقه تعويضا عمّا يفقده في الواقع، ولكن على الرغم من قدرته هذه على إخراج الإنسان من حالة الفراغ إلا أنه يتسبّب له في ما يسمّى بالتخمة الإلكترونية تلك التي تتكوّن لدى الإنسان نتيجة فرط استخدامه للإنترنت.
70 بالمئة من مستخدمي الإنترنت في حال إدمان شديدة لعالمهم الافتراضي، وتلك النسبة مدعاة لتعميم فكرة الصيام الإلكتروني
وأضاف لذلك جاء مصطلح الصيام الإلكتروني لإنهاء تلك المأساة التي يتعرّض لها الإنسان جرّاء استخدام الإنترنت الذي يتحكّم في حياة مستخدميه لدرجة قد تغنيهم عن التفكير والالتفات إلى المستقبل بصورة مثلى، كما هو قادر على التأثير في حالتهم النفسية حيث يصيب مستخدميه كثيرا بالتوتر والقلق، كما أنه مسبّب قوي للإصابة بالاكتئاب، وكذلك يستطيع عزل الإنسان عن العالم المحيط به فيصبح غير قادر على التعامل مع الآخرين، إضافة إلى ما يسببه من أمراض عضوية لأنه يؤثر على المفاصل وخاصة مفاصل الظهر والرقبة، وكذلك يؤدي إلى ضعف الإبصار والشعور دائما بألم في الرأس».
وأضاف هاني «كل هذه الأضرار دافع قوي للمستخدمين لإتباع ما بات يعرف بـ’الصيام الإلكتروني’ الذي يفرض عليهم الابتعاد قليلا عن العالم الافتراضي للتقليل من حجم الأخطار النفسية والصحية التي تصيبهم جراء الاستخدام المفرط له، ورغم عظمة المصطلح والاعتقاد لوهلة لدى المستخدمين بأنه صعب التطبيق، فإنه في حقيقة الأمر يمكنهم فعل ذلك ولكن شريطة أن يتم ذلك تدريجيا للتقليل من تأثيرات التكنولوجيا الحديثة السلبية على المستخدمين لأنها أشبه بتعاطي المخدرات حيث يشعر الإنسان بالفراغ الاجتماعي لكونه لم يحافظ على علاقاته بالآخرين، كما أنه يوقعه في براثن الأمراض النفسية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانعزال التام. وقد أثبتت دراسة أجريت بجامعة بيتسبيرغ الأميركية أن هناك ربطا بين ارتفاع عدد الموتى وفرط استخدام التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل، كما أنه يعزز الشعور بالوحدة والاكتئاب الأمر الذي دفع عددا من المجموعات حول العالم للترويج لتعميم عملية الصيام الإلكتروني لإنقاذ الشباب من أخطار التكنولوجيا الحديثة».
وأشار أمجد خيري، استشاري العلوم السلوكية والاجتماعية، إلى أن 70 بالمئة من مستخدمي الإنترنت في حال إدمان شديدة لعالمهم الافتراضي، وتلك النسبة مدعاة لتعميم فكرة الصيام الإلكتروني التي تخفف من السيطرة الكاملة للإنترنت على حياة مستخدميه، كما أنه يحرّر تفكيرهم ويغيّر من أسلوب حياتهم، حيث يؤهل الصيام الإلكتروني الذي عادة ما يبدأ بيوم واحد في الأسبوع ثم أكثر مع مرور الوقت إلى أن يصبح الصيام الإلكتروني منهجا يوميا لإقامة علاقات اجتماعية واقعية جيدة، فهو قادر على إتاحة المزيد من الوقت لدى الفرد يستطيع خلاله من أن يتعامل بصورة إيجابية مع محيطه البشري، والأهم من ذلك أنه يحافظ على العلاقات الزوجية، فمن المعلوم أن مواقع التواصل سبب رئيسي في ارتفاع حالات الطلاق لأنها لا تتيح لدى أحد الأطراف الوقت اللازم للتحدث والتعامل مع الطرف الآخر ما يؤدي إلى الانفصال.