منذ بداية الزمان والإنسان مفتون بالتنانين. فليس من بين المخلوقًات العظيمة، لا في الخيال ولا في الواقع الملموس، ما يمكن مقارنته بأفعى طائرة ضخمة ذات أسنان حادة تنفث النيران من بين فكيها؛ إنه وحش الوحوش، وأكثر الكائنات الأسطوريَّة قوة، والوهم الأكثر عالميّة الذي عرفته البشرية.
فمن تنين البحيرة الصيني الخيِّر الحكيم إلى التنين الأوروبي الشرير الآكل للفتيات، كلها كائنات مُلهمة ومُثيرة للرهبة أفرزتها جعبة أساطير الثقافات العالمية. ولأنها تُرَى بطرق كثيرة مختلفة، وإن كانت متشابهة في نفس الوقت، عبر العصور وفي كل مكان في العالم تقريبًا، فإن المرء يستطيع اعتبار التنانين ظاهرة ثقافية عالمية.
في أوروبا، التنانين زواحف شريرة مريعة نافثة للنيران، وهي ضخمة وشبيهة بالسحالي، لها ألسِنة متفرعة كشوكة الطعام وأجنحة كأجنحة الخفافيش. أما في ثقافات المكسيك وأمريكا الجنوبية القديمة، فكان يُعتقد في وجود أفعى إلهيَّة ذات ريش، معروفة بأسماء متعددة، تقوم بتجديد العالم بعد كل دورة من دورات الدمار.ومع أن الروايات عن التنانين واسعة الانتشار؛ فإنه لا يوجد أي دليل علمي إلى يومنا هذا يشير إلى وجودها في أي وقت مضى. فلم يتم اكتشاف حفريات أو بقايا هياكل لها، وكل ما تبقى عنها هو العديد من الأعمال الفنيَّة والأدبيَّة، إلى جانب الخرافات والحكايات التي سمعناها ونحن أطفال.
وبينما يعتقد أغلب العلماء أن التنانين ما هي إلا نتاج خيالٍ خِصبٍ ألهمته وأثَّرت فيه كائنات حيَّة أخرى مثل السحالي الضخمة، والأفاعي، والتماسيح، فهناك علماء آخرون – أقل عددًا بكثير بالطبع – يشككون في ذلك الاعتقاد، بل ويعتقد بعضهم فعليًّا أن التنانين قد طافت الأرض في يومٍ ما، وأنها قد تكون آخر أنواع الديناصورات التي عاشت على الأرض.
على الرغم من تحالفي الدائم مع الطرف الذي يملك البراهين العلمية والأدلة الحيَّة، فإنني أميل هذه المرة إلى التشكيك في قطعية الحقيقة العلمية. ولربما أهواني في ذلك ولعي بالتنانين. ولكن الأهم من ذلك هو أن علماءً حقيقيين فشلوا في الإجابة عن أكثر الأسئلة أهمية: إن كانت التنانين مجرد أسطورة، فكيف صُوِّرت في كل تلك الثقافات في حين أنها لم تختلط في ذلك الوقت؟ فتلك الثقافات لم تتصل ببعضها على الإطلاق، كما لم تتجاوب مع بعضها؛ فهل من المنطقي أن تكون كلها قد اختلقت نفس الأسطورة صدفةً وبشكلٍ متزامن أيضًا؟