خرج الرئيس الإيراني حسن روحاني عن «اعتداله»، وكظم غيظه، أمس عندما هدد بكل وضوح بتعطيل شحنات النفط السعودية والخليجية، إذا مضت واشنطن قدماً في سعيها لمنع جميع الدول من شراء النفط الإيراني، وفرض حصار خانق على الإيرانيين سلطة وشعباً.
أهمية تصريحات السيد روحاني غير المسبوقة في خطورتها تنبع في رأينا من ثلاثة أمور رئيسية:
ـ الأول: أنها جرى نشرها على موقع الرئاسة الإيرانية، وأعاد تكرارها الرئيس روحاني في مؤتمر صحافي عقده في جنيف أثناء زيارته لسويسرا حيث قال «لا معنى لعدم تصدير النفط الإيراني بينما يجري تصدير نفط المنطقة».
ـ الثاني: إشادة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لها، وقوله إن «الحرس» مستعد لتطبيق استراتيجية تعرقل صادرات النفط الإقليمية حال حظرت أميركا مبيعات النفط الإيرانية، مضيفاً «هذا هو روحاني الذي نعرفه».
ـ ثالثاً: تفسير العديد من الخبراء في الشؤون الأمنية النفطية الاستراتيجية بأن هذا التهديد يعني اتخاذ إيران، وحرسها الثوري تحديداً، عدة خطوات لإلحاق الضرر بأميركا والدول الخليجية التي يمكن أن تشارك في الحصار، وأبرزها إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره 18 مليون برميل يوميا، معظمها من السعودية والكويت والإمارات وقطر.
القيادة الإيرانية بدأت تنتقل من سياسة الدفاع إلى الهجوم إعلاميا على الأقل، بعد طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل ثلاثة أيام في مكالمة هاتفية ضخ مليوني برميل من النفط الخام يوميا، إضافة لإنتاجها الحالي الذي يصل إلى عشرة ملايين برميل، لتعويض أي نقص ينتج عن وقف صادرات النفط الإيرانية (2.8 مليون برميل يوميا) نتيجة لفرض الحصار، ووجد منه، أي العاهل السعودي، كل تجاوب.
براين هوك مدير التخطيط في وزارة الداخلية الأميركية صرح قبل يومين «أن بلاده واثقة من وجود ما يكفي من الاحتياطات النفطية للاستغناء عن النفط الخام الإيراني، وأن هدف حكومته هو خفض عوائد إيران النفطية إلى صفر»، في إشارة مباشرة إلى هذا التجاوب، وتأكيداً على أن الحصار يسير وفق المخطط المرسوم.
الإدارة الأميركية تنفذ مخططاً جرى إعداده في الغرف المغلقة لزعزعة استقرار إيران من خلال فرض حصار اقتصادي خانق يؤدي إلى انفجار احتجاجات شعبية ضخمة تخترقها، ومن ثم تخطفها عناصر إيرانية تتحرك بأوامر من «الموساد» والـ»سي أي إيه»، في تكرار للسيناريو السوري بطريقة أو بأخرى، بحيث تكون النتيجة تغيير النظام على غرار ما حدث لحكومة محمد مصدق عام 1953 عندما أطاح بها انقلاب وقفت خلفه وكالة المخابرات المركزية الأميركية بعد إقدامه على تأميم صناعة النفط في البلاد، وأعاد شاه إيران إلى العرش.
موقع «زيروهيدج» (Zerohedge.com) الأميركي المتخصص في المال والاقتصاد ومقره واشنطن، نشر تقريراً مدعوماً بالوثائق يؤكد تأسيس مجموعة عمل أميركية إسرائيلية يعمل فيها ضباط كبار في «الموساد» والـ»سي أي إيه» تعقد اجتماعات متواصلة منذ عدة أشهر للتحضير لاضطرابات واحتجاجات في كل مدن وبلدات إيران تستغل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في البلاد، ويشرف عليها جون بولتون، مستشار الأمن الأميركي لشؤون الأمن القومي، ونظيره الإسرائيلي مائير بن شابات.
تشمل مخططات هذه المجموعة، مثلما جاء في الموقع الأميركي المذكور، توظيف مجموعات إيرانية معارضة، واستخدام مكثف لوسائط التواصل الاجتماعي للتحريض على التظاهر، حتى أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وجه رسائل باللغة الفارسية إلى الشعب الإيراني يطالبه بالثورة واعداً بالدعم، وفعل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي الشيء نفسه على موقعه على «التويتر».
إغلاق إيران لمضيق هرمز ربما يشعل شرارة الحرب التي تسعى إليها أميركا وإسرائيل وتكون ذريعة ومبرراً لغزو إيران وشن عدوان عليها، ولكن هل من الممكن أن تنتظر القيادة الإيرانية ثورة شعبية تطيح بها نتيجة لحصار خانق بدأت نتائجه تعطي أوكلها في احتجاجات انفجرت مرتين في أقل من عام، الأولى في شهري كانون الثاني (ديسمبر) وكانون الأول (يناير) الماضيين، وشملت 75 مدينة وبلدة، والثانية قبل شهر في العاصمة طهران؟
وقف صادرات النفط الإيراني يعني انهيار العملة المحلية، ووقف معظم الواردات اللازمة لاستمرار عمل المفاصل الأساسية في البنى التحتية للدولة، وخاصة الواردات التكنولوجية وقطع الغيار، والاحتياجات الأساسية للشعب، مما يعني انهيار الدولة، ناهيك عن الجوع والفقر والغلاء الفاحش.
رودي جولياني، أحد أبرز العاملين في فريق ترامب القانوني، وعمدة نيويورك السابق المعروف بولائه لإسرائيل، ألقى خطاباً ملتهباً في مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس الأسبوع الماضي «بشر» فيه الحضور «نراكم في طهران العام المقبل» في إشارة إلى موجة الاحتجاجات التي تخطط حكومة رئيسه لتفجيرها في طهران في الأسابيع المقبلة.