إعداد الجيولوجي: محمد حسين

رئيس مجلس إدارة شركة ABH Training & Supply

الديناصورات أو الدَناصِير ومفردها ديناصور أو دَيْنُصُور: (وهي كلمة معربة للفظ لاتيني مركب، معناه عظاءة مرعبة) وهي مجموعة متنوعة من الحيوانات البائدة كانت طيلة 160 مليون سنة، تعيش كفقاريات مهيمنة على سطح الكرة الأرضية، تحديداً منذ أواخر العصر الثلاثي (منذ حوالي 230 مليون سنة) حتى نهاية العصر الطباشيري (منذ حوالي 65.5 مليون سنة). اندثرت معظم أنواع وفصائل الديناصورات خلال حدث انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي، وقد اعتقد العلماء لفترة طويلة أنها لم تخلف ورائها أي نسب، إلا أن ذلك الافتراض ثبت خطؤه، إذ اكتشف الباحثون في وقت لاحق أن الطيور هي أقرب أنسباء الديناصورات الباقية في العصر الحالي، وذلك من خلال ما ظهر من مستحثات تربط بين الأصنوفين، إذ تبيّن أن جميع الطيور اليوم تتحدر من سلف مشترك تطور من الديناصورات الثيروبودية خلال العصر الجوراسي. كذلك، فإن معظم التصنيفات الحديثة تضع الطيور كمجموعة باقية من رتبة الديناصورات.

تُعتبر الديناصورات إحدى أكثر مجموعات مملكة الحيوان أشكالاً؛ فسليلتها من الطيور أكثر الفقاريات تنوعًا على وجه الأرض، إذ يوجد منها ما يفوق 9.000 نوع.

استطاع علماء الأحياء القديمة التعرف على ما يزيد عن 500 جنس و1.000 نوع مختلف من الديناصورات غير الطيرية، واليوم يمكن العثور على أشكال مختلفة من الديناصورات في جميع قارات العالم، سواء أكانت حية ممثلة بالطيور، أم نافقة تُعرّف بواسطة مستحثاتها. كان عدد من الديناصورات عاشبًا وكان بعضها الآخر لاحمًا، وكذلك سارت أنواع منها على قائمتيها الخلفيتين، فيما سارت أنواع أخرى على أربع قوائم، واستطاع بعضها أن يتنقل باستخدام الطريقتين. طوّرت العديد من الديناصورات غير الطيرية امتدادات خارجية لهيكلها العظمي شكلت لها درعًا جسديًا أو طوقًا عظميًا أو قرونًا، وقد حققت بعض الفصائل شهرة عالمية لغرابة شكلها الخارجي كما يتصوره العلماء. سيطرت الديناصورات الطيرية على أجواء الكرة الأرضية منذ انقراض الزواحف المجنحة التي كانت تعدّ منافستها الأساسية والسبب الرئيسي الذي يكبح تطورها. تشتهر الديناصورات بفعل حجم بعض الأنواع الضخمة، الأمر الذي يولد فكرة لدى العامّة مفادها أن جميع هذه الحيوانات كانت عملاقة، إلا أنه في واقع الأمر فإن معظم الديناصورات كانت بحجم الإنسان أو أصغر حتى. يُعرف أن معظم فصائل الديناصورات كانت تبني أعشاشًا لتضع فيها بيضها وتحضنه حتى الفقس.

أصبحت الهياكل العظمية للديناصورات المعروضة في المتاحف حول العالم تشكل معالم جذب سياحية مهمة، منذ أن اكتُشف أول أحفور لديناصور في أوائل القرن التاسع عشر، وتحوّلت هذه الحيوانات إلى رمز من رموز الثقافة العالمية والمحلية لبعض البلدان. صُوّرت الديناصورات في الكثير من الروايات والأفلام السينمائية التي حققت نجاحًا كبيرًا ونسبة مبيعات هائلة، مثل سلسلة «الحديقة الجوراسية»، كذلك فإن أي اكتشاف جديد على درجة كبيرة من الأهمية تغطيه وسائل الإعلام المختلفة وتقدمه للجمهور المهتم بهذه الأمور.

صِيغَ مُصطلح ديناصوريا (باللاتينية: Dinosauria) رسميًا في سنة 1842 بواسطة عالم الإحاثة الإنجليزي، السير ريتشارد أوين الذي استخدمه للإشارة إلى «القبيلة أو الطبقة المميزة للزواحف السحلية» التي قد مُيزت في إنجلترا وحول العالم.

اشتُق المصطلح من الكلمات الإغريقية: «داينوس» (باليونانية: δεινός) بمعنى «عظيم»، «قوي»، أو «مذهل»، و»سوروس» (باليونانية: σαύρα) بمعنى «عظاءة» أو «زاحف». ومع أن الاسم العلمي يُفسر غالبًا بأنه إشارة إلى أسنان الديناصورات ومخالبها وبقية خصائصها المخيفة، فقد قصد أوين أن يُشير به إلى حجم الديناصورات ومهابتها.

تُستخدم كلمة «ديناصور» في الإنجليزية العامية أحيانًا للإشارة إلى شيء غير ناجح أو شخصٍ فاشل، مع أن الديناصورات قد سادت في الأرض مائة وستين مليون سنة، وانتشرت سلالات أحفادها الطيور وتنوعت. تُستخدم تسمية «ديناصور» في اللغة العربية إجمالاً للإشارة إلى هذه الحيوانات، وهي لفظ محرّف لكلمة «Dinosaur» الإنجليزية، والبعض يكتبها «دينوصور» كما في اللفظ الفرنسي «Dinosaure».

شهد العالم خلال فترة الحقبة الوسطى التي عاشت أثناءها الديناصورات لمُدة 165 مليون عام الكثير من التغيرات على الكوكب، من أبرزها انجراف مواقع القارات وتغير المناخ[12] الذين أثّرا إلى حد كبير على حياة الديناصورات وبيئاتها.[13] لكن هذه الزواحف قطنت عموماً خلال فترة وُجودها على الأرض القارات السبع جمعاءً بما في ذلك أنتاركتيكا وأستراليا وجميع القارات الأخرى.

مع مطلع العصر الثلاثي كانت لا تغطي الأرض سوى قارة واحدة عملاقة اسمها بانجيا، وكان مناخ العالم آنذاك أكثر حرارة بقليل مما هو اليوم، وقد كان لربط القارات هذا أهمية بالغة في إتاحة تنقل الديناصورات وانتشارها بين القارات. كانت أولى الديناصورات الحقيقية المَعروفة هي الإيورابتور والهيريراصور الذين عثرَ على بقاياهما في الأرجنتين في طبقات العصر الثلاثي، ولذلك تعدّ دراسات علمي العلاقات التطورية والجغرافيا الحيوية قارة أمريكا الجنوبية مهد الديناصورات وموطن نشوئها الأول. ونظراً إلى أن كل يابسة الأرض كانت مُتحدة آنذاك في بانجيا، فقد اتسعت مناطق انتشار هذه الزواحف بُسرعة لكي تشمل قارات أمريكا الشمالية وأفريقيا وأوروبا فضلاً عن أمريكا الجنوبية نفسها، وبالرغم من هذا فقد كانت أنواع الديناصورات لا تزال قليلة في ذلك الوقت، ولذا فكان كل نوع منها يَشغل مساحة جغرافية واسعة نسبياً. ويَجعل انتشار الديناصورات الثلاثية الواسع هذا من دراستها وتتبع تنوعها وانتشارها أمراً صعباً.

مع مجيء العصر الجوراسي المبكر (200 – 170 مليون سنة خلت) كانت لا تزال قارة بانجيا مُترابطة إلى حد ما، وظلت روابط اليابسة قائمة بين كافة القارات السبع، ولذلك احتفظت الديناصورات والفقاريات الأرضية الأخرى بمُعدل توطنها الفريد الذي كان مُنخفضاً بشكل غير اعتيادي مع اتصال العالم ببعضه. وخلال هذه الفترة (العصر الجوراسي) بدأت الديناصورات تهيمن وتفرض سيطرتها الحقيقية على أشكال الحياة الأرضية، وكذلك زادت أكثر من انتشارها الجغرافي عبر العالم. وخلال هذا العصر قبل 180 مليون سنة تقريباً بدأت قارة بانجيا بالتفكك، مما سبب الكثير من التغيرات الجغرافية والمناخية على الكوكب. فخلال تلك الفترة بدأ جليد القطبين بالذوبان وأخذ مستوى البحر بالارتفاع وبغمر مساحات ضخمة من أراضي الكوكب، وقد زاد هذا بدوره من مُستوى الرطوبة ومن ثم الأمطار، فأصبح المُناخ أكثر اعتدالاً بينما نمت غابات غنية بأشكال الحياة المُتنوعة، وساعدت هذه الظروف البيئية الديناصورات على زيادة أعدادها وهيمنتها. كما أخذت القارات بالتفكك والانعزال عن بعضها سريعاً في هذا الوقت، ففي العصر الجوراسي المتأخر انجرفت أمريكا الشمالية شمالاً مُنفصلة بذلك عن أمريكا الجنوبية، وبذلك شكلت أمريكا الشمالية جنباً إلى جنب مع أوروبا جزءاً من قارة لوراسيا، بينما ظلت الجنوبية مُتحدة مع أنتاركتيكا وشبه القارة الهندية وأستراليا مُشكلين غوندوانا قبل أن تنجرف أستراليا بعيداً مُبتدئة بذلك انعزالها الطويل المُستمر إلى يومنا هذا.

ومع هذا التفكك السريع وانعزال أجزاء العالم عن بعضها البعض بدأت الديناصورات تخسر قدرتها على التنقل بين القارات، وبدأت معدلات التوطن عند أنواعها بالارتفاع، بينما أخذت ديناصورات كل قارة تتطور وحدها مُنعزلة عن ديناصورات القارات الأخرى.

لا يُوجد أي دليل صريح حتى الآن على حدوث ارتفاع شديد في الحرارة أو تغير ذو قيمة في المناخ خلال العصر الطباشيري، وهو آخر عصور الحقبة الوسطى التي عاشت خلالها الديناصورات. أما بالنسبة للقارات فقد ابتعدت عن بعضها البعض كما لم تبتعد قبلاً سوى مرات قليلة في تاريخ الأرض كله، فقد كانت أنحاء العالم مَعزولة عن بعضها كثيراً وأخذ مُعدل التوطن عند الديناصورات بالارتفاع طوال العصر الطباشيري المتأخر.

وخلال هذا العصر قسمت العالم العديد من البحار الضحلة هنا وهناك، ففصل بين غرب أمريكا وشرقها بحر ضحل، وقد كان يَتصل غربها قبل ذلك مع آسيا عبر جسر يابسة قبل أن يَفصل بين نصفي القارة هذا البحر فيُصبح غربها جزيرة معزولة بينما يتحد شرقها مع أوروبا وغرينلاند، أما بقية أراضي العالم الجنوبية فقد تابعت الانجراف مُبتعدة عن بعضها.

وكنتيجة لهذا فقد اختلفت أنواع الديناصورات بين القارات، فسادت بشكل عام خلال هذه الفترة في نصف الأرض الجنوبي مجموعات الديناصورات القديمة التي لطالما قطنته، مثل الصوروبودات والأورنيثوبودات والأنكيلوصوريات، بينما ظهرت في النصف الشمالي أنواع جديدة تماماً مثل السيراتوبيات والهادروصوريات. وقد ازداد تنوع الديناصورات إلى حد كبير وملحوظ خلال هذا العصر، بينما تقلصت نسبياً المساحة الجغرافية التي يَتوزع عليها كل نوع مع ازدياد هذا التنوع. واستمرت الديناصورات على هذه الوتيرة خلال العصر الطباشيري وتنوعها يَزداد مع ازدياد توطنها قبل أن تنقرض تماماً في نهاية ذلك العصر ضمن انقراض العصر الطباشيري-الثلاثي.

بالنسبة للبيئات التي قطنتها الديناصورات خلال فترة وُجودها على الأرض بعيداً عن انتشارها الجغرافي فتحديدها أصعب قليلاً. فبشكل عام، من الصعب جداً تخمين طبيعة البيئات التي كانت مَوجودة الماضي باستخدام معلومات الأحافير والصخور التي تكون مُتوافرة عادة. والسبب وراء هذا أنه لا يُعثر سوى على القليل من أحافير الحيوانات أو النباتات التي عاصرت وُجود ديناصور ما (في حال عثرَ عليها أساساً)، علماً بأن دراسة النباتات القديمة بالإضافة إلى دراسة النظائر الجيوكيميائية التي يُمكن من خلالها تحديد الحرارة في تلك العُصور هما الوسيلتان الأساسيتان لمعرفة طبيعة البيئات القديمة (بينما لا تخدم عظام الديناصور سوى في معرفة موقع موته)، وحتى في الحالات التي يُعثر فيها على بقايا تلك النباتات فإن تحديد ما بدت عليه البيئة التي قطنها الديناصور وما كانت معالمها وتضاريسها هو أمر بالغ الصعوبة، مما يَدفع مُعظم الإحاثيين إلى عدم التطرق لهذا الأمر وترك دراسته. من المَشاكل الأخرى أيضاً التي تمنع معرفة طبيعة البيئات القديمة بشكل دقيق اختلاف مدى إمكانية حفظ بيئة ما عن أخرى، فبعضها يُمكنها أن تحفظ بشكل جيد بينما تختفي أخرى تماماً بحيث تتعذر معرفتها، وعموماً مُعظم آثار الغابات وأراضي الأنهار المُرتفعة والسهول من المواد العضوية تتحلل وتتآكل ثم تختفي سريعاً، ولذا فإن بقاياها نادراً ما تحفظ بحيث تتيح التعرف عليها. بينما لا يُمكن للعلماء غالباً التعرف إلا على الأراضي النهرية المُنخفضة والسهول الفيضية والدلتا وأراضي البحيرات وما إلى ذلك من البيئات المائية.

لكن لا زالت – بالرغم من كل ذلك – توجد بعض الدراسات التي يُمكنها أن تعطي فكرة ما عن طبيعة بيئات هذه الزواحف وأن تلقي الضوء عليها.

وعموماً، ربما تكون الديناصورات قد قطنت مجموعة مُتنوعة جداً من البيئات تتراوح من الغابات الرطبة إلى الصحارى القاحلة.

وفيما يلي سرد لم يُتوقع أن يَكون البيئات التي عاشت فيها الديناصورات.

نظراً إلى أن كافة أراضي العالم كانت مُتحدة في قارة بانجيا العظيمة بالغة الضخامة خلال العصر الثلاثي، فقد كان من الطبيعي وُجود امتدادات داخلية ضخمة للقارة بعيدة جداً عن أي بحر أو مُحيط، وكنتيجة لهذا فقد ظلت مُعظم المساحات الداخلية للقارة جافة وبعيدة عن الماء وامتدت عبرها صحارى هائلة، بينما لم تكن الرطوبة كافية لنمو النباتات سوى على حواف القارة قرب المسطحات المائية المُحيطية.

وقد كانت الحياة مُختلفة جداً في ذلك العصر مع الجفاف السائد، فلم تكن توجد أي نباتات مزهرة أو عشب على الأرض بينما انتشر الصنوبر والسراخس عبر القارة. ومن أسباب الجفاف وقلة التنوع الأحيائي الذين سادا هذا العصر أنه أتى مُباشرة بعد أضخم انقراض في تاريخ الأرض، ولهذا السبب فحتى عندما جاء العصر الثلاثي المتأخر كانت لا تزال الأرض تتعافى من آثار الانقراض. ولذا فقد عاشت الديناصورات خلال هذه الفترة في بيئة جافة ولم يَكن تنوعها كبيراً بعد، وقد تركز وُجودها على ضفاف الأنهار التي كستها السراخس، ومن الأنواع التي قطنت هذه الأراضي ديناصور الهيريراصور المُبكر. أما في المناطق الأبعد من ذلك عن البحار فقد امتدت أراضٍ شبه صحراوية استطاعت أن تنمو فيها بعض أنواع النباتات القصيرة والصغيرة المتكيفة مع المناخ القاحل (وربما بدت تلك المناطق شبيهة بأراضي جنوب أفريقيا اليوم)، ومن الأنواع التي قطنت هذه الأراضي ديناصور البلاتيوصور العاشب جنباً إلى جنب مع الإيورابتور والسينتاصوس.

بحلول العصر الجوراسي بدأت طبيعة الأرض الجغرافية بالتغير مما كان له أثر كبير على بيئات الديناصورات الطبيعية. فقد أخذت قارة بانجيا العظيمة بالتفكك والانقسام مُبتعدة بعضها عن بعض، ومع تكون الصدوع بين القارات بدأت المياه تملأ هذه الأودية والأراضي المُنخفضة المختلفة مُحولة إياها إلى مُحيطات جديدة تفصل بين القارات بعد أن كانت كل المياه تحيط بقارة واحدة فقط (فتكون بذلك المحيط الأطلسي إلى جانب عدة مُحيطات أخرى)، وقد ساعد هذا كثيراً على وُصول المياه إلى قلب بانجيا لكي تسقي صحاريها. فبعد أن دخلت المياه عُمق القارة بدأت الرياح المُصطدمة بالبحار الداخلية بحمل الرطوبة معها إلى الصحارى الجافة، فأخذت النباتات تنمو وتزدهر في أنحاء القارات ماحية بذلك الصحارى الثلاثية القديمة ومُكونة مصدراً هاماً جداً لتغذية الديناصورات التي وصلت إلى قمة ازدهارها في هذا العصر، فبعد أن ظلت صغيرة الحجم طوال العصر الثلاثي نمت فجأة لتصبح من أكبر حيوانات الكوكب وأكثرها نجاحاً.

لكن كما كانت الحال في العصر الثلاثي فقد تركزت الخضرة والديناصورات المختلفة بجانب ضفاف الأنهار، ومع هطول الأمطار نمت غابات من السراخس والغينكجو، ومن الديناصورات التي قطنت هذه الغابات النهرية والسرخسية الستيغوصور. وقد تميز العصر الجوراسي أيضاً بالغابات الصنوبرية الكثيفة التي غطّت القارات خلاله وتألفت من أنواع بدائية من الصنوبر، وقد قطنت هذه الغابات أنواع من الصوربودات مثل المامينكيصور.

Loading

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com