قمة الجزائر المصلحة بدل العروبة

هادي جلو مرعي
سقف التفاؤل لم يكن مرتفعا، ولكن الآمال على قمة الجزائر التي أختتمت في الثاني من نوفمبر 2022 لم تنخفض نهائيا لإعتبارات الضرورة، وحاجة العرب ليتحدثوا عن قضاياهم ومعاناة شعوبهم، ووجودهم في زمن تحول قاس وصعب، وقد صدر بيان عن القمة العربية التي إحتضنتها الجزائر العاصمة، وكان من أهم نقاط البيان هي مركزية القضية الفلسطينية بوصفها القضية الأولى بالنسبة للعرب، وهو أمر مثير للإرتياح، وبصراحة لأنه صدر في الجزائر البلد المعروف بحبه لفلسطين، وإعلانه الدائم عن الدعم والمؤازرة للشعب الفلسطيني في نضاله، كما جاء تعزيزا لموقف الحكومة الفلسطينية المتشبث بعدم شرعية الإحتلال، والإجراءات التي تتبعها قوات الإحتلال سواء في محيط الضفة الغربية، أو في الأراضي المحتلة عام 1948 وحتى في مدينة غزة التي كانت دائما ماتتلقى التضامن والدعم من رام الله، وكذلك سلوك الحكومة الإسرائيلية المتعنت والمستقوي بدول إستعمارية لاتفهم حق الشعوب في العيش والكرامة والحرية.
إعلان الجزائر الواضح والصريح بمركزية القضية الفلسطينية والإجماع العربي عليه يؤكد برغم قيام البعض بالتطبيع مع الكيان المحتل، وبرغم كل الممارسات القمعية لهذا الإحتلال، وبرغم الممالاة الغربية وعجز المنظمات الدولية عن إتخاذ مواقف عادلة يشير الى أن العرب مايزالون يتنفسون وإنهم لم يختنقوا بعد، وإن هناك فسحة من أمل يمكن أن تجمع الشمل، وتؤكد الحضور والدوام في المواجهة، والإصرار على الموقف، وعدم التراجع عن الثوابت في الحياة العربية، ويتزامن هذا الإعلان مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر الذي بموجبه منح المحتل البريطاني مالايملك، ومالاحق له في منحه لمجموعات غاصبة أرضا لشعب حضاري قديم وعظيم ومتجذر، ويتوافق مع الأول من نوفمبر ذكرى غضبة المقاومة الجزائرية للإحتلال الفرنسي، وكأنه رد على النتائج التي أسفرت عنها إنتخابات كيان الإحتلال وإمكانية عودة اشد للعنف والتشدد الذي كان يمارسه بنيامين نتنياهو ويكاد يعود لممارسته بوحشية أكبر .
أجزم بأن ماصدر عن قمة الجزائر ليس سببه إجماع القادة العرب على موقف موحد من القضية الفلسطينية منفصلا عن اسباب أخرى أهمها إصرار الفلسطينيين على موقفهم من قضيتهم وصبرهم على المواجهة السياسية والأمنية والإقتصادية، وإحترامهم للعهود والمواثيق الدولية بالرغم من عدم حصول تقدم لصالحهم، وبالرغم من التلكؤ والتردد الدولي، وضعف الإرادة الدولية في مواجهة الإحتلال، ولذا فإن مادفع القادة العرب لإتخاذ موقف موحد تمخض عنه إعلان الجزائر سببه الأساس هو قوة الصمود الفلسطيني، وهي إشارة الى الشعب الفلسطيني بأن قضيتهم بيدهم، وليست بيد غيرهم، ومصيرها مرتبط بصبرهم وعزيمتهم الموحدة، وإن مايأتيهم من دعم، وماينتج من مواقف إيجابية من الخارج سواء العربي، أو الدولي يعود لتأكد أصحاب المواقف من موقف الفلسطينيين وصوتهم الموحد أنهم لن يبيعوا القضية ابدا، ولن يبيعوها فقد قدموا الدماء والشهداء على مدى عقود من الزمن.
شيء مهم تعرفنا عليه من مخرجات قمة الجزائر إن العروبة لم تعد الأساس في العمل العربي المشترك بل المصلحة فالتقاطعات عديدة ومعقدة ولكن مايشهده العالم والتحديات التي تواجه الدول العربية جعلت المصلحة معيارا للتوافق وليس العروبة.

Loading

اترك تعليقاً

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com