الصفائح التكتونية

إعداد الجيولوجي: محمد حسين

رئيس مجلس إدارة شركة ABH Training & Supply

هي نظرية علمية تصف الحركات الكبرى لغلاف الأرض الصخري.

اعتمد هذا النموذج النظري على مفهوم نظرية الانجراف القاري التي طُرحت في العقود الأولى من القرن العشرين، وقبلها مجتمع علوم الأرض بعد طرح مفاهيم تمدد قاع البحر في نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن العشرين.

انقسم غلاف الأرض الصخري إلى عدد من الصفائح التكتونية. ففي الأرض، هناك سبع أو ثمان صفائح كبرى (يتوقف عددها على كيفية تعريف الصفيحة الكبرى) إضافة إلى العديد من الصفائح الصغرى.

وعندما تلتقي الصفائح، فإن حركتها النسبية تحدد نوع الحدود ما إذا كانت تقاربية أو تباعدية أو متحولة. تحدث الزلازل والبراكين وتتشكل الجبال والخنادق المحيطية على حدود الصفائح التكتونية. تتراوح الحركة الجانبية النسبية للصفائح عادة من صفر إلى 10 سم سنويًا.

تتكون الصفائح التكتونية من غلاف صخري محيطي وغلاف صخري قاري أكثر سمكًا، يعلو كل منهما قشرة أرضية خاصة بكليهما. على طول الحدود التقاربية، تغطس الصفائح إلى الدثار؛ وتعوض المادة المفقودة بتكوين قشرة محيطية جديدة عند الحدود التباعدية الناتجة عن تمدد قاع البحر. وبهذه الطريقة، تبقى مساحة الكرة الأرضية الكلية ثابتة. وبذلك تشبه آلية تلك النظرية مبدأ عمل السير الناقل. في حين، افترضت بعض النظريات القديمة (التي لا زال لها بعض الأنصار) التقلص التدريجي (الانكماش) أو التمدد التدريجي للعالم.

للصفائح التكتونية قدرة على التحرك لأن الغلاف الصخري للأرض أقوى من الغلاف الموري الذي يرتكز عليه، كما أن كثافة الدثار تتغير نتيجة تيارات حمل. ويعتقد أن حركة الصفائح ترجع إلى عدة عوامل وهي حركة قيعان البحار بعيدًا عن الرصيف القاري (نتيجة التغير في طبوغرافيا وكثافة القشرة الأرضية الناتجين عن تغيرات قوى الجاذبية الأرضية) والمقاومة المائية والشفط أسفل مناطق الاندساس. ثمة تفسير مختلف، يكمن في القوى المختلفة التي تنتج عن دوران الكرة الأرضية وقوى المد والجزر للشمس والقمر، إلا أن دور كل من تلك العوامل غير واضح، ولا يزال موضوع نقاش.

مفاهيم أساسية

جيولوجيًا، تنقسم الطبقات الخارجية للأرض إلى غلاف صخري وغلاف موري، بحسب التغيرات في الخواص الميكانيكية وطريقة انتقال الحرارة. وميكانيكيًا، فإن الغلاف الصخري أكثر برودة وصلابة، بينما الغلاف الموري أكثر سخونة وحركته أسهل. ومن حيث انتقال الحرارة، يفقد الغلاف الصخري الحرارة عن طريق التوصيل الحراري، في حين ينقل الغلاف الموري الحرارة من خلال تيارات الحمل بمعدل انحدار حراري ثابت تقريبًا. ويختلف هذا التقسيم عن التقسيم الكيميائي لطبقات الأرض الذي يقسّم الأرض إلى دثار وقشرة أرضية.

المبدأ الأساسي لنظرية تكتونيات الصفائح، مبني على أن الغلاف الصخري مُقسّم إلى صفائح تكتونية منفصلة ومتميزة عن بعضها البعض، تعلو الغلاف الموري الذي يبدو كما لو كان سائلاً (طبقة صلبة ذات مرونة لزوجية). تتراوح حركة الصفائح سنويًا بين 10–40 مم/سنة (كما في أعراف منتصف الأطلنطي التي تتحرك بسرعة نمو الأظافر)، إلى نحو 160 مم/سنة (كما في صفيحة نازكا التي تتحرك بسرعة نمو الشعر).

تتكون صفائح الغلاف الصخري التكتونية من دثار صخري يعلوه نوع أو كلا نوعين من المادة القشرية، والتي هي إما قشرة محيطية (قديمًا كانت تسمى سيما وتتكون من السيليكون والماغنسيوم) أو قشرة قارية (صخور السيال التي تتكون من السيليكون والألومنيوم). متوسط سمك الغلاف الصخري المحيطي عادة 100 كـم (62 ميل)، وتوقف سمكها على عمر تلك الطبقة، فكلما مر الزمن، فإنها تبرد وتصبح أكثر سمكًا. ونظرًا لأنها تتكون عند أعراف منتصف المحيطات ومنها تنتشر، لذا فإن سمكها يتدرج كلما اقتربنا من أعراف منتصف المحيط التي بدأت تتكون من عندها. وعادة ما تتحرك طبقة الغلاف الصخري المحيطي قبل أن تندس، ويتراوح سمكها بين حوالي 6 كـم (4 ميل) عند أعراف منتصف المحيط إلى أكثر من 100 كـم (62 ميل) عند مناطق الاندساس.

أما الغلاف الصخري القاري فيكون سمكه عادة نحو 200 كم، وإن كانت أيضًا تتغير بين الأحواض وسلاسل الجبال والبقع الداخلية المستقرة في القارات. ويختلف أيضًا نوعي القشرة الأرضية في السمك، فالقارية أكثر سمكًا من المحيطية (35 كم مقابل 6 كم).

يعرف مكان التقاء صفيحتان باسم حد الصفيحة، وعادة ما تكون حدود الصفائح مرتبطة ببعض الظواهر الجيولوجية كالزلازل ونشأة بعض الملامح الطبوغرافية كالجبال والبراكين وأعراف منتصف المحيطات والخنادق المحيطية.

معظم براكين العالم النشطة تنشأ على حدود الصفائح، ومنها منطقة الحزام الناري التي تعد الأشهر والأكثر نشاطًا. بعض البراكين تحدث داخل الصفائح، وتكون سبب التشوهات الداخلية للصفائح.

من الممكن أن تحتوي الصفائح التكتونية على قشرة قارية أو محيطية، ومعظمها يحتوي على كليهما. فعلى سبيل المثال، الصفيحة الأفريقية تشمل قارة أفريقيا وأجزاء من أرضيتي المحيط الأطلسي والمحيط الهندي. ويمكن التفريق بين القشرة المحيطية والقشرة القارية وفقًا لطريقة تشكلهما، فالقشرة المحيطية تتكون في قاع البحار وتنتشر من منتصفها، بينما تنشأ القشرة القارية من خلال الأقواس البركانية [الإنجليزية] ونمو [الإنجليزية] التضاريس من خلال عمليات تكتونية. والقشرة المحيطية هي أكثر كثافة من القشرة المحيطة نظرًا لاختلافهما في التركيب حيث تحتوي القشرة المحيطية على سيليكون أقل وعناصر ثقيلة أكثر (معادن قاتمة) من القشرة القارية.ونتيجة لهذا التقسيم بحسب الكثافة، فالقشرة المحيطية تقع عامةً تحت سطح البحر (مثل معظم صفيحة المحيط الهادي)، بينما تعلو القشرة القارية لتستقر فوق مستوى سطح البحر.

أنواع حدود الصفائح

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من حدود الصفائح، يضاف إليها نوع رابع خليط، تتحدد وفق الطريقة التي تتحرك بها الصفائح نحو بعضها البعض، ويصاحبها أنواع مختلفة من الظواهر السطحية. أما عن أنواع حدود الصفائح فهي:

الحدود المتحولة (المتوازنة) تحدث عندما تنزلق الصفائح أو بالأحرى عندما تتآكل أطراف الصفائح عند تصادمها مع بعضها على طول مناطق أخطاء التحول.

الحركة النسبية لصفيحتين هي إما يسارية أو يمينية. ويعد صدع سان أندرياس في ولاية كاليفورنيا أحد الأمثلة على الحدود المتحولة ذات الحركة اليمينية.

الحدود المتباعدة (البناءة) تحدث عندما تنزلق صفيحتين بعيدًا عن بعضهما البعض. تتشكل تلك الحدود المتباعدة عند تصدعات منتصف المحيطات نتيجة تمدد قيعان البحار. وعند انفصال القارات، تتشكل الأعراف عند المنتصف، فتتمدد أحواض المحيطات، فتتوسع الصفائح متسببة في وجود بعض البراكين البسيطة والزلازل الضعيفة.

وعند المناطق الفاصلة بين القارات، قد تتسبب الحدود المتباعدة في نشأة أحواض محيطية جديدة عند انقسام القارات وتحركها. ومن أمثلة الحدود المتباعدة، المناطق الصدعية النشطة في منتصف المحيطات مثل أعراف منتصف الأطلسي وأعراف شرق المحيط الهادئ، وأصداع ما بين القارات مثل صدع شرق أفريقيا والبحر الأحمر.

الحدود المتقاربة (المدمرة) (أو الحدود النشطة) تحدث عندما تنزلق صفيحتان تجاه بعضهما البعض، لتشكلان عادةً إما منطقة اندساس (إذا تحرك صفيحة لتنزلق تحت الأخرى) أو تصادم قاري. في بعض مناطق اندساس ما بين القارات مثل مناطق غرب أمريكا الجنوبية وجبال كاسكيد غرب الولايات المتحدة اندسّ الغلاف الصخري المحيطي الأكثر كثافة تحت أطراف القارة الأقل كثافة، فتكونت مناطق زلزالية في مناطق الاندساس، وانصهرت الصفيحة المندسة جزئيًا مكونة صهارة صعدت إلى السطح في صورة براكين قارية. وفي بعض مناطق الاندساس الأخرى مثل جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية وجزر ألوشيان وجزر ماريانا وقوس الجزر اليابانية، انزلقت القشرة الأرضية الأقدم والأبرد والأكثر كثافة تحت قشرة أرضية أقل كثافة، مما تسبب في تكوّن زلازل وخنادق قوسية الشكل وعميقة. بعد ذلك، ارتفعت حرارة السطح العلوي للصفيحة المندسة، وصعدت صهارة إلى السطح مكونة سلاسل جزر بركانية قوسية الشكل. أما الخنادق البحرية العميقة فتكون عادةً مصحوبة بمناطق اندساس، وغالبًا ما تسمى الأحواض التي تنشأ على طول الحدود النشطة باسم «أحواض رأس البر». تحتوي الألواح المنزلقة على العديد من المعادن المائية التي تفقد مائها بالتسخين، مما يتسبب في صهر الدثار، فتنتج البراكين. وقد تنغلق تلك الأحواض المحيطية في المناطق الحدودية بين القارات مثل جبال الهيمالايا والألب التي نتجت عن تصادم الأغلفة الصخرية القارية الجرانيتية التي لا يمكنها الاندساس تحت بعضها البعض، مما تسبب في انضغاط أطراف الصفائح وانطوائها لتتكون تلك الجبال.

مناطق حدود الصفائح تحدث عندما تكون آثار التفاعلات بين الصفائح غير واضحة، وتحدث تلك الحدود عادةً على طول حزام واسع غير واضح الحدود، ويمكن أن تحدث به حركات متعددة في فترات مختلفة.

القوى الدافعة لحركة الصفائح

تعد تكتونيات الصفائح في الأساس ظاهرة حركية، حيث اتفق علماء الأرض بناءً على الملاحظات والاستنتاجات أن تحركات الصفائح مرتبطة ببعضها، لكنهم تناقشوا وتجادلوا حول كيف ومتى تم ذلك. ولا يزال هناك تساؤل كبير حول الآلية الجيوديناميكية التي دفعت الصفائح للحركة. لذا، فقد انقسمت آراء العلماء إلى نظريات مختلفة.

هناك اتفاق حول قدرة الصفائح التكتونية على الحركة، نظرًا لاختلاف الكثافة النسبية للقشرة الأرضية المحيطية وضعف الغلاف الموري نسبيًا. ومن المسلم به، أن فقد الدثار للحرارة هو المصدر الأساسي للطاقة الدافعة لتكتونيات الصفائح، من خلال تيارات الحمل الحراري أو عمليات تصاعد الصهارة وترسّبها. ونتيجة لذلك، فمن المتفق عليه الآن، وإن كان الأمر ما زال مثار بعض الجدل، أنه نظرًا لكثافة القشرة الصخرية المحيطية العالية، فإنها تندس في مناطق الاندساس، فيكون ذلك مصدرًا قويًا لحركة الصفائح. وعندما تتكون قشرة أرضية جديدة في أصداع منتصف المحيطات، فإن هذه القشرة المحيطية تكون في البداية أقل كثافة من الغلاف الموري الواقع أسفل منها، لكن كثافتها تزداد مع الوقت، لأنها تبرد وتتكاثف. وكلما زادت كثافة القشرة الأرضية القديمة مقارنةً بالغلاف الموري تحتها، كانت لها القدرة على أن تغطس إلى أعماق الدثار في مناطق الاندساس، فتكون سببًا لمعظم القوى الدافعة لحركة الصفائح. ونظرًا لضعف طبقة الغلاف الموري، فإن حركة الصفائح التكتونية نحو منطقة الاندساس تصبح أسهل.

وعلى الرغم من الاعتقاد بأن الاندساس هو أكبر القوى الدافعة لحركة الصفائح، إلا أنه ليس القوة الوحيدة حيث أنه هناك صفائح كصفيحة أمريكا الشمالية لا تزال تتحرك، رغم أنه لم يعد هناك اندساس، وهو ما ينطبق على صفيحة أورآسيا الضخمة. وتخضع مصادر حركة الصفائح لبحث كثيف ونقاشات موسعة بين علماء الأرض. أحد أهم تلك النقاط البحثية، هي أن النموذج الحركي لحركة الصفائح يجب أن يفصل عن الآلية الجيوديناميكية لحركة الصفائح التي تعد القوة الدافعة للحركات المعروفة، حيث أن بعض النماذج يمكن تفسيرها بأكثر من آلية واحدة. وعمومًا، يمكن تقسيم القوى الدافعة لحركة الصفائح إلى ثلاث فئات: قوى تنشأ عن حركة الدثار، وقوى تنشأ عن الجاذبية (معظمها قوى ثانوية)، وقوى تنشأ عن دوران الأرض.

القوى الدافعة الناشئة عن حركة الدثار

في الربع الأخير من القرن العشرين، كان هناك نظرية سائدة تقول بأن تيارات الحمل الحراري الكبرى في أعلى الدثار هي القوة الدافعة الرئيسية لحركة الصفائح التكتونية. وضع آرثر هولمز وبعض الرواد تلك النظرية في ثلاثينيات القرن العشرين، واعتبرت على الفور سببًا مقبولاً لحركة الصفائح التكتونية منذ أن أثار ألفريد فيجنر التساؤلات حول سبب حركة الصفائح التكتونية في السنوات الأولى من القرن العشرين.

ورغم القبول بها، تناولتها نقاشات طويلة، بسبب اعتقاد الكثيرين في النظرية القديمة التي تزعم أن الأرض ثابتة وأن القارات لا تتحرك، حتى سقوط تلك النظرية في مطلع الستينات. ويُظهر التصوير الثنائي والثلاثي الأبعاد لباطن الأرض أنه هناك تفاوت في كثافة الدثار من نقطة إلى أخرى. هذه التغيرات في الكثافة قد تكون اختلافات في المواد (من وجهة نظر كيمياء الصخور) أو المعادن (نظرًا لتغير البنية المعدنية) أو الحرارة (عن طريق التمدد أو الانكماش الحراري الناتج عن الطاقة الحرارية). ونتيجة لهذا التفاوت في الكثافة، نتجت تيارات حمل حراري للدثار بفعل قوى الطفو.

ويعد الارتباط المباشر وغير المباشر بين تيارات الحمل الحراري للدثار وحركة الصفائح محورًا لدراسات ونقاشات معاصرة بين علماء الجيوديناميكيا.

فلابد أن تنتقل تلك الطاقة بطريقة ما عبر القشرة الأرضية للصفائح التكتونية لتحركها.

وهناك نوعان أساسيان من القوى التي يعتقد أنها تؤثر في حركة الصفائح وهما قوى الاحتكاك والجاذبية. تتسبب تيارات الحمل الحراري في الاحتكاك بين الغلاف الموري والغلاف الصخري الأقسى الذي يعلوه، فتدفع الصفائح للحركة. أما قوى الجاذبية فقد تنتج عن تيارات حمل حراري موضعية بتسحب الصفائح بقوة لأسفل في مناطق الاندساس في خنادق المحيطات.

في الآونة الأخيرة، أصبحت نظرية الحمل الحراري مثار جدل كبير، حيث أن التقنيات الحديثة ثلاثية الأبعاد للتصوير المقطعي للزلازل فشلت في رصد أي من تيارات الحمل الحراري تلك، لإثبات صحة هذه النظرية. لذا، فقد طرحت فرضيات بديلة. ظهرت نظرية تكتونيات الأعمدة في تسعينيات القرن العشرين، التي استخدمت مفهوم معدل عن تيارات الحمل الحراري للدثار. وتدور فكرتها حول عن تصاعد أعمدة عملاقة من أعماق الدثار، تكون الدافع أو البديل لتيارات الحمل الحراري الرئيسية. لاقت تلك النظرية التي اعتمدت فكرتها على أفكار قديمة ظهرت في مدارس علوم الأرض الأوروبية والروسية في بداية ثلاثينيات القرن العشرين صدى في النظريات الحديثة التي ترى بأن النقاط الساخنة في الدثار لا تزال ثابتة، وأن القشرة الأرضية المحيطية والقارية للصفائح تتخطاها مع الوقت، وتترك آثارها في السجل الجيولوجي للصفائح (على الرغم من عدم اعتبار هذه الظواهر كآليات دفع حقيقية).

Loading

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com