موسوعة – مصرنا اليوم :
نهر النيل (بالإنجليزية: Nile، بالقبطية: ⲫⲓⲁⲣⲟ، باللوغندية: Kiira، بالنوبية:Áman Dawū)[lt 1] هُو نهرٌ تاريخي يتدفق شمالًا في شمال شرق إفريقيا، ويُعد أطولَ نهرٍ في القارةِ الأفريقية،
ويعد تاريخيًا أَطولَ نهرٍ في العالم، على الرُغم من وجودِ خلافٍ مصدرُهُ بعضُ الأبحاثِ التي تشيرُ إلى أن نهر الأمازون أطولَ قليلًا. يبلغُ طولُ نهرِ النيل حوالي 6,650 كم (4,130 ميل)،
ويغطي مُستجمعُه المائي 11 دولة تسمى دولُ حوضِ النيل وهي: تنزانيا، أوغندا، رواندا، بوروندي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، كينيا، إثيوبيا، إريتريا، جنوب السودان، جمهورية السودان ومِصر.
نهر النيل هو المصدر الرئيس للمياهِ في مِصر والسودان على وجْه الخصوص، فمصر تَعتمدُ على النيل للحصول على حوالي 97% من مياهِ الري والشرب.
روافده
لنهر النيلِ رافدانِ رئيسيان وهما: النيل الأبيض والنيل الأزرق. يُعد النيل الأبيضُ منبع النيلِ نفسِه أو المصدر الأبعد، أما النيل الأزرق فهو مصدر معظم كمية المياه في النهر، فهو يحتوي
على 68% من المياه والطمي. النيل الأبيض أطولُ من النيلِ الأرزقِ وينبُع من منطقة البحيرات الكبرى بوسط إفريقيا، بينما لا يزالُ الرافدُ الأبعدُ للنيلِ الأبيض غير معروفٍ بدقة، وهو يقع إما
في رواندا أو بوروندي. يتدفقُ النيل الأبيض شمالًا عبر تنزانيا وبحيرة فيكتوريا وأوغندا وجنوب السودان، بينما ينبُع النيل الأزرقُ من بحيرة تانا في إثيوبيا ويتدفق إلى السودان من الجنوب الشرقي.
يلتقي النهران الأبيض والأزرق شِمال العاصمة السودانية الخرطوم. يتدفقُ النيل عبر الصحراء السودانية إلى مصر باتجاه الشمال. تقع مدينةُ القاهرة على دلتا النهر الكبيرة (دلتا النيل)، ثم
يعبر النهر مدينتي دمياط ورشيد ويصب أخيرًا في البحر الأبيض المتوسط. يعيشُ اليوم معظم سكان مدن مِصر على طول تلك الأجزاء ابتداءً من وادي النيل شمال أسوان.
لنهر النيل تاريخٌ ضاربٌ في القِدم، إذ نشأت على ضفافه واحدة من أقدم الحضارات في العالم وهي حضارة الفراعنةالتي يعود تاريخها إلى أكثر من 5,000 عام. أعتمدت هذه الحضارة
(بالإضافة إلى الممالك السودانية) على النهر منذ العصور القديمة، حين كانت الزراعة هي النشاط الرئيس المميز لها خصوصًا في السودان ومصر، ولهذا فقد شكل فيضان النيل أهمية
كبرى في الحياة المصرية القديمة والنوبية أيضًا. فعند الفراعنة ارتبط الفيضان بطقوس شبه مقدسة، فكانوا يقيمون احتفالات وفاء النيل ابتهاجًا بالفيضان. كما سجلوا هذه الاحتفالات في
صورة نقوشٍ على جدران معابدهم ومقابرهم وعلى الأهرامات لبيانِ مدى تقديسهم للفيضان. أما في العصر الإسلامي فقد اهتم الولاةُ بالفيضان أيضًا، وصمموا «مقياس النيل» لقياس
الفيضان بشكلٍ دقيق، ولا يزال هذا المقياس قائمًا إلى اليوم في «جزيرة الروضة» بالقاهرة
شهدت دولُ حوض النيل في أواخر الثمانينات جفافًا نتيجة لضعف فيضان النيل، مما أدى إلى نقص المياه وحدوث مجاعة كبرى في كل من السودان وإثيوبيا، غير أن مصر لم تعاني من آثار
تلك المشكلة، نظرًا لمخزون المياه الكبير في بحيرة ناصر خلف السد العالي.
يُذكر أنه في العصر الحديث؛ برزت واحدة من أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين دول حوض النيل وتحديدًا بين مصر والسودان وأثيوبيا وهي ما تعرف باسم أزمة سد النهضة. ففي حين تعتبر
أثيوبيا هذا السد مشروعًا حيويًا سيساهم في تعزيز قدرتها على توليد الكهرباء، فضلًا عن دفع التنمية الاقتصادية. ترى كل من مصر والسودان أن هذا السد يُشكل تهديدًا لحصة البلدين
من مياه النهر التي يُعتمد عليها بشكل أساسي في الشرب والزراعة.
أَطلق المصريون القُدماء على نهر النيل في اللغة المصرية القديمة اسم «إيترو عا» وتعني (النهر العظيم)، وتُشير الأصول اللغوية لكلمة النيل إلى أنَّها من أصلٍ يوناني، «نيلوس» Neilos (باليونانية: Νειλος)،
كما أَطْلَق هوميروس على النهر في اليونانية أيضًا اسم Aigyptos(باليونانية: Αιγυπτος)، وهو أحدُ أصول المصطلحات الأوروبية لاسم مصر (باللاتينية: Aegyptus).
بيدَ أن آخرين تحدثوا عن أصولٍ فينيقية للكلمة اشتُقت من الكلمة السامية «نهل» بمعنى (مجرى أو نهر).
أما المؤرخ اليوناني ديودور الصقلي فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حينَ أشار إلى أن النيل أُطلق عليه هذا الاسم تخليدًا لذكرى ملك يُدعى «نيلوس» اعتلى عرش البلاد وحفر الترع
والقنوات، فأطلق المصريون اسمه على نهرهم، وتُستخدم «نيلوس» كاسم علم مذكر بحسب عقد بيع مدوّن على بردية تعود إلى العصر الروماني بين رجل يدعى «نيلوس» وآخر يدعى «إسيدوروس»، وهذا العَقْد محفوظ اليوم في المتحف المصري.
يرى العالم المصري «رمضان عبده» في دراسته الموسوعية بعنوان «حضارة مصر القديمة» أن كلمة النيل مُشتقة من أصلٍ مصري صميم من العبارة «نا إيترو» والتي تعني (النهرُ ذو
الفروع)، كما أطلق المصريون على مَجرى النهر اسم «حبت إنت إيترو»، وأطلقوا على فروع النيل في أرض مصر اسم «إيترو نوكيمت» (فروع الأرض السوداء).
بينما يُجمع عدد من المؤرخين على أن كلمة النيل هي نوبيةالأصل، وأنها تعود إلى كلمة «ني» التي مازال يستخدمها أهل النوبة في وصف النهر والتي تعني «أشرب»، وعادة ما
يقول النوبيون «نيلا تون نيلوس»، وهي عبارة تعني «شَربت من مكان الشرب».
ما قبل التاريخ
يُعد نهر النيل شريان الحياة للحضارة في مصر منذ العصر الحجري، فقد استوطن معظم السكان وبنيت تقريبًا جميعُ مدن مصر على طول مساره، ابتداءًا من وادي النيل الواقع شمال
أسوان. ومع ذلك، كان النيل يجري أكثر باتجاه الغرب عبر ما يعرف اليوم بوادي الحميم ووادي المقار في ليبياحتى يصل إلى خليج سرت.
مع ارتفاع مستوى سطح البحر في نهاية العصر الجليدي الأخير، تسبب التيار الذي يُعرف اليوم بـ «شمال النيل» في أسر جزء من النيل بالقرب من أسيوط،
أدى هذا التغير في المناخ أيضًا إلى نُشوء الصحراء الكبرى حوالي سنة 3,400 قبل الميلاد.
ففي حين أشارت الدراسات السابقة إلى أن نهر النيل قد نشأ في عصر الميوسين، وأنه اتخذ مساره الحالي قبل حوالي 6 إلى 10 ملايين سنة فقط، تشير الدراسات الحديثة إلى أن نهر
النيل قد انتظم في مساره الثابت الحالي قبل حوالي 30 مليون سنة، وهي مدة زمنية أطولُ بكثيرٍ مما كان يُعتقد سابقًا.
العصر الفرعوني
قدَّسَ الفراعنةُ الأوائلُ النيل بسبب أهميته للحياة لكل من يعيش على أرض مصر، ونَصَبوا له إلهًا للخير والسعادة أسموه حابي.
اعتقد المصريون القدماء أن «فيضان النيل» يحدث عندما يمتلئ النيل الأزرق بدموع إيزيس حزنًا على وفاة زوجها أوزوريس
ازدهرت الزراعة حول نهر النيل خصوصًا في منطقة الدلتا ذات التربة الخصبة، والتي تكوّنت بفعل التقاء روافد النيل، مما أدى لتراكم طبقات من التربة الغنية على ضفافه، وهو الأمر الذي
تنبّه له المصريون القدماء وعرفوا فوائده فاستغلوه في الزراعة.
كان الفراعنة ينتظرون الفيضان الكبير الذي كان يحدث مرّة في العام، وسجّلوا أيّامه وراقبوا ارتفاع وانخفاض منسوبِ مياهه، الذي ارتبطت به قيمةُ الضّرائب التي كانت تُجبى من
المزارعين، فحين كانت تغطى حقولهم بالمياه والطمي كان يبدأ موسمهم الزّراعي، فبنوا السّدود حول النهر وحفروا الترع من أجل الري، كالترعة الطويلة التي كانت تُجر منها مياه
النهر إلى منطقة الفيوم المعروفةُ باسم «بحر يوسف»، وقد عرفوا «الشادوف» واستخدموه لنقل مياه النيل وري أراضي المناطق البعيدة
أما أخناتون وهو أحد فراعنة الأسرة الثامنة عشرة فقد الًَف أنشودة دينية جميلة يخاطب فيها الإله آتون ويتغنى بها بنهر النيل قائلًا:
أنت خلقت النيل في العالم الأرضي
وأنت تخرجه بأمرك فتحفظ به الناس
يا إله الجميع حين يتسرب إليهم الضعف
يا رب كل منزل أنت تُشرق من أجلهم
أنت الذي خلقت في السماء نيلًا
لكي ينزل عليهم ولهم
يتساقط الفيضان على الجبال كالبحر الزاخر
فيسقى مزارعهم وسط ديارهم
حفر الفراعنة في عهد الملك سنوسرت الثالث قناة تربط بين النيل والبحر الأحمر سميت قناة «سيزوستريس» وهو أحد ملوك مصر القديمة عام 1874 قبل الميلاد، ثم أُعيد حفرها في
عهد الملك سيتي الأول الذي تولى حكم مصر عام 1310 قبل الميلاد خلفًا لأبيه رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشرة، وظلت القناة تعمل أحيانًا وتغلق حينًا، ثم أعاد الملك
نخاو الثاني حفرها عام 610 قبل الميلاد
يُذكر أنه في العصر الفرعوني لم يكن هناك إله للنهر، وإنما كان هناك إله جسَّد الفيضان وهو «حعبي» أو «حابي». لم يكن الفراعنة يعبدون النهر في صورته المجردة، ولكنهم قدَّسوه
لكونِه سببًا أساسيًّا للرخاء ولخصوبة الأرض بالبلاد. في العصر الروماني أصبح للنهر إله وهو نيلوس
العصر اليوناني وعصر البطالمة
بعد وصول الاسكندر المقدوني إلى مصر وتأسيس دولة البطالمة، كثُر عدد الزائرين إلى مصر من تُجار وعلماء، وكُثر ارتيادهم لأعالي النيل، ولكنهم لم يكونوا يتوغلون إلى أبعد من نقطة
التقاء النيل الازرق بالأبيض. كان الجغرافي اليوناني إراتوستينس هو أول من درس مجرى النيل بشيئ من الدقة، ووصف نهر النيل وصفُا دقيقًا وأشار إلى وجود بحيرات ينبع منها النهر.
ثم جاء بعده المؤرخ سترابو الذي طاف في أرجاء مصر ووصل إلى الشلال الأول وتوغل قليلًا فيما وراءه.
طوَّر البطالمة والرومان طُرقًا لقياس منسوب مياه النيل. إحدى هذه الطُرق كانت أداة محمولة وهي عبارة عن عصا مدّرجة صُنعت من البوص، توضع بشكل طولي في مجرى النيل لقياس
مستوى الفيضان، ثم تطوَّرت لتصبح عبارة عن سلَّم نُقشت على جدرانه الداخلية قياسات الفيضان بالأذرع. أقام البطالمة المعابد على ضفة النهر وزودوها بمقاييس النيل، كما عُثر على
نقوش في معبد فيلة تُظهر توقيت وزمن الفيضان، حين كانت الضرائب تحسب على أساس مستوى فيضان النيل
يُذكر أنَّه في عام 2014؛ أعلن وزير الآثار والتراث المصري ممدوح الدماطي عن اكتشاف بقايا مدينة تحت نهر النيل أسفل طبقة من الطمي جنوبي مدينة رشيد في شمال البلاد ترجع
لعصر الرومان. وتعد هذه المدينة نموذجًا متميزًا يعكس آليات تخطيط المدن الهيلينستية الرومانية في الدلتا.
العصر الحديث
نتيجة للإمكانيات الهائلة التي يُوفرها نهر النيل، فقد كان مطمعًا للقوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر. تحكمت الدول الأوروبية في دول حوض النيل في تلك الفترة؛ فبينما كانت
بريطانيا تُحكم قبضتها على مصر والسودان وأوغنداوكينيا، أحكمت ألمانيا قبضتها على تنزانيا، رواندا، وبوروندي، أما بلجيكا فسيطرت على الكونغو الديمقراطيةالتي كانت تُعرف في ذلك الوقت باسم زائير.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى (1914–1918) أوزارها، قُسِّمت المستعمرات الألمانية بين بريطانيا وبلجيكا؛ فحصلت بريطانيا على تنزانيا، بينما حصلت بلجيكا على رواندا وبوروندي،
وبقيت إثيوبيا دولة مستقلة. ومع انتهاءِ السيطرة البريطانية على مصر والسودان في الخمسينات من القرن العشرين، وُقِّعت اتفاقية نهر النيل عام 1959 لتقسيم مياه النيل، التي
ترفضها أغلبية دُول حوض النيل وتعتبرها اتفاقيةً جائرة تعود لعهد الاستعمار.