الاضطراب الوسواسي القهري (أو اختصاراً الوسواس القهري) هو اضطراب نفسي نتيجة سيطرة فكرة أو عادة معينة عند شخص لا يمكنه التخلص منها حتى لو كان يعلم عدم فائدتها.
ويعاني من الوسواس القهري أغلب سكان الأرض، فمن الصبا وحتى الأربعين من العمر يصاب به حوالي 20٪، أما بعد الأربعين تزداد النسبة لتصل إلى 40٪ وبعد الستين قد تصل النسبة إلى 65٪.
يلاحظ تكرار هذه الأفكار أو الممارسات بشكل دوري وعلى فترات طويلة نسبياً، ومن أمثلتها غسل اليدين أو عدّ الأشياء أو تفحّص قفل الباب والشبابيك، كما يندرج تحت الأمثلة أيضاً الصعوبة التي قد يواجها البعض عند التخلّص من الأشياء ورميها خارجاً.
ترى بعض الأبحاث والدراسات أن سوء التغذية قد يكون له دور في الاضطراب الوسواسي القهري وفي اضطرابات نفسية أخرى. اقترحت دراسة أن السكّر الطبيعي إينوزيتول قد يساهم في علاج الاضطراب الوسواسي القهري.
في حين أنّ دراسة أخرى وجدت أن الفيتامينات والمكمّلات المعدنية قد تساعد في مثل هذه الاضطرابات بتوفير مغذّيات ضرورية ولازمة للأداء الذهني السليم.
الأعراض
1- تشنّجات لا إرادية:
المصاب بالوسواس القهري غالباً تحدث له تشنجات في بعض مناطق الجسم، مثل حركة الشفاه اللا إرادية، إغلاق العين بطريقة سريعة دون وعي، حركة عشوائية للرقبة أو ارتعاش عام في الجسم من حين لآخر كمن يعاني من البرودة.
2- القلق:
يعاني المصاب بالوسواس القهري من القلق الدائم، كمن يخشى أن يموت وهو نائم فيسهر دائما ولا ينام إلا إذا غلبه النوم.
3- الاكتئاب:
قليلا ما يعاني المصاب بالوسواس القهري بالاكتئاب، ولكن من حين إلى آخر، وهذا يتوقف على نوع الوسواس، كمن يخشى الموت فهذا يُصاب بالاكتئاب الحاد، ولكن من يعاني من وسواس النسيان لا يعاني الاكتئاب إلي في حالة شعوره بأنه كثيراً ما ينسى، وهي حالة مؤقتة من الاكتئاب يشعر به ثم سرعان ما يزول مع تغيير الحالة المزاجية أو بالاختلاط.
4- الخوف:
من أهم علامات الوسواس القهري هو الخوف، فعندما يترك شخص بيته يسأل نفسه إن كان قد أغلق باب البيت أم لا، فإن لم يتوفق في العودة للتأكد تجده مصاب بالخوف طوال اليوم، والذي يعاني من وسواس الموت تجده دائم الخوف كلما يسمع عن الموت.
5- تكرار الأفعال في أوقات قريبة:
من العلامات المميزة لوسواس القهري هو تكرار القيام بنفس العمل أكثر من مرة، كمن يغسل يديه قبل الأكل مرتين خشية المرض أو العدوى، وكالذي إذا سلّم على مريض يستخدم مضاد الفيروسات السائل طوال اليوم.
6- الاعتقاد بالمسبب الغيبي:
المصابون بالوسواس القهري دائما يرجئون الحوادث اليومية وتصرفات الآخرين إلى مسببين غيبيين «إله أو شيطان» كمن يسقط من يده زجاجة وتنكسر فيعتقد أن الشيطان هو الذي فعل هذا، أو مَنْ ينجح في الامتحان فيقول أنه كان يستحق الرسوب ولكن الله الذي أنجحه من أجل أبويه.
7- إحياء الجماد:
إن المصاب بالوسواس القهري غالبا يتعامل مع الأشياء الجامدة على أنها كائنات حيّة.
فإذا فرغ الحبر من القلم يشتمه، وإذا وجد معلومة على الكمبيوتر يقبله، ومن يحتار مع سيارته يحاكيها…. وهكذا.
8- الشك:
إنّ الشكّ عند المصاب بالاضطراب الوسواسي القهري أمر طبيعي، فبما ان الوسواس مسيطر عليه فهو يشك دائما في تصرفات الآخرين ودائماً يتوقع منهم الخيانة.
9- الإلتباس:
الذين يعانون من الوسواس القهري غالباً ما يحدث عندهم التباس بين الأمور، ويربطون بين حدث والآخر، وتختلط عندهم الأحداث الماضية بالحاضرة عن طريق الاستدعاء بالمواقف المتشابهة.
10- العنف:
قد تظهر الأعراض العدوانية عند بعض الذين يعانون من الوسواس القهري ولكن بحسب شدة الاضطراب ونوعه.
فالذي عنده وسواس قهري من الطعن بالسكين تجده عنيف السلوك مع زوجته الواقفة بالمطبخ وبيدها سكينا أو ما شابه بالآلة الحادة.
والغريب أن مصاب الوسواس القهري قد يعلم بالاضطراب الوسواسي القهري ويعي أنّ الأفكار والممارسات التي يقوم بها غير منطقيّة، لكنّه لا يستطيع مقاومتها والتخلّص منها.
أنواع الوساوس
1- الوساوس البدائية:
الوساوس البدائية هي وساوس ليست قهرية أو غير حادة.
ورغم أنها غير قهرية أو حادة إلا أنها منهكة ومتعبة، وخاصّة إذا كانت مصحوبة بالقلق والخوف من الأذى أو الخطر المحيق المميت بالشخص نفسه أو من حوله.
مثل من يعاني من حالته بعد موته وكيف سيكون شعوره، وهل هناك ثواب وعقاب، هؤلاء قد يكونون أكثر خطراً على أنفسهم ولكنهم غير مؤذيين بصورة مباشرة على الغير، بل قد تنعكس آثار أفكارهم على المحيطين فيعانون معه ما يعانيه.
الوساوس الدينية
هناك نوع من الوساوس المتعلّقة بالأمور الغيبية والدينية، ويتمثّل ذلك بظهور أفكار مكتسبة من الوسط الديني تتعلّق بالعقيدة على هيئة أيمان أو تشكيك في الإيمان، وقد تقترن بممارسات سلوكية متعلّقة بالعبادات مثل الإعادة المتكرّرة للصلاة أو قراءة الكتب الدينية مرات ومرات. وإلصاق كل الأمور الحادثة سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي أو حتى في الطبيعة إلى المسبب الغيبي، كأن الله هو الذي فعل ذلك أو الشيطان هو المتسبب في هذه الأمور.
أو السماء راضية أو غاضبة… وهكذا.
بالتالي يمكن تقسيم أعراض الوسواس القهري الديني إلى :
– وساوس العبادات (مثل الطهارة والصلاة المتكررة للتأكد من الغفران والصيام لعقاب النفس وغيرها).
– وساوس تعمّقية (مثل التعمّق في الأسئلة الدينية) والتعمق في دراسة وجود الله والغيبيات، وقد يصل الفرد في هذه المرحلة إلى ما أشبه بالجنون أو الكفر بالدين الذي يعتنقه.
– وساوس كفرية: كمن يتمسك بنصوص دينية معينة ليكفر بها تصرفات الآخرين من أهل ديانته أو من الديانات الأخرى.
– وساوس لفطية: هناك بعض الألفاظ المذكورة في الديانات قد تخلق وساوس عند الشخص المصاب بالوسواس القهري مثل لفظ «الطلاق» فتجده يتهم أي مطلق بأنه كافر وبعيد عن الله وعن الدين، وكمن يرى في كتابه الديني لفظ «حسد» فتجده يخاف من الحسد بنظرة العين ويأخذ كل احتياطاته ليتنجب أن الناس يعرفون عنه شيء خوفاً من الحسد.
– الوسواس الشيطاني: كان الناس في أوروبا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر للميلاد يعتقدون أنّ الأشخاص الذين تكون لديهم أفكار جنسية أو مزدرية للدين أو أيّ أفكار قاهرة أخرى فهم مستحوَذون من الشياطين.
بناءً على هذا الاعتقاد فإنّ العلاج كان يهدف إلى طرد تلك الأرواح الشريرة من الشخص المستحوَذ عليه وذلك بالتعويذات.
وهناك آخرون مصابون بالاضطراب الوسواسي القهري يعتقدون أنهم طالما هم مؤمنون فالشيطان واقفا لهم بالمرصاد وليس له عمل إلا محاولة إيقاعهم في الخطايا، فكلما ارتكبوا أي شيء سواء عن قصد أو بدون قصد، ينسبون أخطاءهم إلى الشيطان انه واقفا لهم بالمرصاد وهو الذي أوقعهم في هذه الأخطاء التي يسميها «خطايا أو زلات أو سهوات».
كمل أن هناك من يعتقدون بوجود الجن، وأن هذا الجن يلاحقهم في كل مكان يذهبون إليه ويخيفهم ويحاول قتلهم أو أخذ أرواحهم، وبالتالي يقضون حياتهم في الخوف من الجن.
وسواس الهلاك الأبدي: بالطبع هذه منتشرة بين الناس ممن يعتنقون دينا من الديانات الثلاث المعروفة للعالم، فهم دائماً يعتقدون أنهم إذا فعلوا خطية ما فسيدخلون ناراً أبدية وسينتقم منهم الله لأنه إله ممسكاً بسوط يقود به الذين أخطأوا إلى هوّة عميقةً محماة بالنيران المستعرة ويلقيهم فيها عقابا على ما اقترفوه في حياتهم، ومثل هؤلاء هم مصابون بالوسواس القهري في كل ما يفعلوه، فدائما يسئلون أنفسهم أو يسألون مرشديهم للفصل بين التصرفات وتقسيمها بين (حلال وحرام) ويأخذون الفتاوى من مرشديهم وبما أن ليس كل صاحب فتوى مثل الاخر فيتخبط المضطرب بالوسواس القهري ويشك في كل تصرفاته ودائما يحتار «هل ما فعله حلال أم حرام».
وسواس العادات القاهرة: بعض المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري يقومون بممارسة عادات وطقوس قاهرة لأنّهم يشعرون وبشكل غير قابل للتوضيح أنّ عليهم القيام بذلك، كمن يغسلون أيديهم كلما لمسوا أي شيء ويقومون بتكرار هذا الفعل عشرات المرات يومياً، أو مَنْ يقومون بقضم الأظاهر أو أرجحة القدمين عند التفكير في أمر ما وهو لا يعلمون ما هو السبب الكامن وراء هذه الأفعال اللاإرادية.
– وسواس الأداء الذهني:
أثبتت الدراسات النفسية أن المضطربين بالأداء الذهني هم من يعانون غالبا من انتقاء الألفاظ أو النسيان المكاني أو الزماني ويعانون أيضاً من الانتباه السماعي أو الركيز على كلام اإخرين، وهم أيضاً الذين يجدون مشكلة في كتابة الرسائل الطويلة ولا يحبون الكلام كثيراً.
وهذه المشكلة مؤقتة أو مزاجية، فتجدهم يصغون لشخص ولا يصغون لآخر، أو لا يكتبون رسالة طويلة لشخص ولكن يمكنهم كتابة قصة أو فيلم سينمائي، فهم مأسورون بالحالة المزاجية المتأرجحة بين السلب والإيجاب.
– الوسواس الليلي: هؤلاء يطلق عليهم علم النفس «اللانهاريون» وهم من ينامون بالنهار ويستيقظون في الليل لأن الوسواس القهري يصور لهم الليل كشيء محيق غيبي ومبهم، لذلك لا يحبون أن يغيبون عن الوعي بالنوم لئلا يخطفهم الليل إلى عالم الغيب ولا يعرفون إن كانوا سيعودون أم لا، بالتالي يسهرون الليل كله وينامون بالنهار لأن نور النهار ويقظة الآخرين من الناس يجعلهم ينامون وهم مطمئنون اعتقادا أنهم إذا جرى لهم شيئا أثناء النوم سوف يقوم اليقظون بإنقاذهم.
أسباب الوساوس القهرية
1- عوامل جينية وراثية:
يعتقد البعض أن الوسواس القهري هو مرض مكتسب من البيئة المحيطة، وهو كلام صحيح في بعض الحلالات، ولكن هناك حالات أخرى مصابة بالوساوس القهرية نتيجة عوامل جينية وراثية، فإن كان الوسواس القهري مرتبط بخلل وظيفي في المخ فهذا قد يورِ ث لجيل أو إثنين وعلى الأكثر ثلاثة أجيال. وهذا ما أثبتته أدلّة دعمت احتمالية وجود استعداد متوارث في النمو العصبي الداعم لحدوث الاضطراب.
كما أثبتت دراسات علمية أيضاً وجود ترابط بين الاضطراب الوسواسي القهري مع وجود طفرة في الجين المسؤول عن نقل السيروتونين وذلك في عيّنة عائلات لا صلة قرابة بينهم.
2- عوامل بيئية: إن البيئية المحيطة تلعب دوراً في الإصابة بالوساوس القهرية وما يزيد من احتمالية الإصابة به وجود سجلّ من إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، أو العوامل الأخرى المسبّبة للتوتّر مثل فقدان شخص كان له تأثير إيجابي علي على الشخص فيصبيه وسواسا قهريا مثل الخوف من الموت أو الخوف من فقدان شخص آخر عزيز عليه وخصوصاً لو حلَّ مكانة الشخص الذي فُقد أولاً.
3- الاضطرابات الوظيفية:
أظهر التصوير العصبي الوظيفي لدماغ المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري أثناء ظهور الأعراض عليهم وجود نشاط غير طبيعي في منطقة القشرة الجبهية وفي الجانب الأيسر من تلافيف الفصّ الصدغي العلوي.
كما وُجد ارتباطٌ بين فرط النشاط في المناطق القشرية ومناطق المخيخ في الدماغ مع الأعراض المتعلقة بالتلوّث.
هناك عوامل أخرى يعتقد أنّها ذات علاقة معقّدة بهذا الاضطراب منها مستويات الدوبامين؛ إذ أنّ تناقص فعّالية ناقل الدوبامين أمر ملاحظ لدى المصابين.
التشخيص
عادة ما يتداخل تشخيص الاضطراب الوسواسي القهري مع حالة اضطراب الشخصية الوسواسية.
إنّ حالة الاضطراب الوسواسي القهري غير منسجمة أو غير متناغمة مع الأنا، أي أنّ هذا الاضطراب لا يتوافق مع مفهوم الذات للشخص الذي يعاني منه؛ ولذلك يعاني الأشخاص المصابون بالاضطرابات غير المنسجمة مع ذواتهم بالكرب المصاحب لها.
بالمقابل، فإنّ اضطراب الشخصية الوسواسية منسجم مع أنا المصاب، بدليل تقبّله للسلوكيات والخواص المميّزة الظاهرة للعلن كنتيجة لذلك، وهي متوافقة مع صورة الذات لديه، أو أنّها بشكل آخر ملائمة أو صحيحة أو منطقية.
لذلك فإنّ المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري مدركون أن سلوكياتهم غير منطقية، وهم غير سعداء لوجود قواهر في حياتهم، ولكنهم يشعرون بالعجز حيالها.أمّا أصحاب اضطراب الشخصية الوسواسية فهم لا يشعرون بوجود أي شيء غير طبيعي، بل هم على أهبة الاستعداد لشرح تصرفاتهم وتبريرها على أنّها منطقية، ممّا يصعّب من مهمّة إقناعهم عكس ذلك، بل قد تعتريهم السعادة واللذّة من ممارسة تلك الوساوس والعادات القاهرة.
العلاج
العلاج النفسي:
يعد أسلوب العلاج بالتعرّض من وسائل العلاج النفسي للاضطراب الوسواسي القهري، وخاصّة طريقة التعرّض و منع الاستجابة والتي تتضمّن تعليم الشخص أن يكون بتماس مباشر عمداً مع المواقف التي تولّد الأفكار القاهرة والمخاوف من غير أن تدفعه إلى القيام بالعادات القاهرة المقترنة مع الوساوس، وذلك بشكل تدريجي إلى أن يتمكّن من تحمّل الانزعاج والقلق جرّاء عدم ممارسة ذلك السلوك الطقسي.
على سبيل المثال، في حالة شخص لديه وسواس قهري أنه لم يغلق باب بيته، فتدرب على ألا يعود للمنزل ويحاول أن يتناسى الزمر، إلى أن يعود في نهاية اليوم ليجد أن البيت لم يتم سرقته وأن الزمر عادي وليس فيه قلق البتة.
أو مَنْ يتم دعوته على العشاء فيدربه المعالج أن غسل اليدين يجب أن يكون مرة واحدة قبل تناول الطعام ويجبره على عدم إعادة غسل اليدين حتى بعدما يأكل يرى أنه كان يكفي غسل اليدين مرة واحدة وأنه لم يمت ولم يصاب بتلبك معوي لأنه لم يغسل يديه مرات كثيرة.
أو من يخاف من النوم ليلا فيجبره المعالج على النوم ليلاً عن طريق الإقناع أو عن طريق الاسترخاء، وعندما يستيقظ في الصباح يجد أنه لم يُصب بأي مكروه وأن النوم ليلا هو أفضل بكثر من النوم في النهار وبالتالي يتم القضاء على ذلك الوسواس القهري رويداً رويداً.
بذلك يتعوّد الشخص بشكل سريع نسبياً على المواقف المولّدة للقلق ويكتشف كيف أن مستويات القلق ستنخفض بشكل كبير، وربّما تصل الأمور معهم إلى الاطمئنان التام .
ويعّد هذا الأسلوب في العلاج ناجحاً في علاج الاضطراب الوسواسي القهري في كثير من الحالات. إلا زن حالات أخرى قد يلزم فيها المعية بين العلاج النفسي والعلاج بالعقاقير المصاحبة كمدعم أو لتفعيل العلاج العلاج النفسي.
العلاج بالعقاقير:
إنّ أكثر العقاقير الدوائية المستخدمة في علاج الاضطراب الوسواسي القهري هي مضادات الاكتئاب، إلّا أن له معدّلاً مرتفع نسبياً من الآثار الجانبية.
وقد تكون للعقاقير الطبية فاعلية إكثر مع المصابين بالوساوس القهرية الجينية الموروثة وذلك لعلاج الذهان والجينات الوراثية المسببة لاضطاب في الأعصاب.