في خطوة سياسية مستعجلة، أعلن المجلس الوطني الكردي انسحابه من الائتلاف الوطني السوري المعارض بعد 12 عاماً من العمل المشترك، في أعقاب التحولات الجذرية التي شهدته المشهد السياسي والعسكري السوري، غداة سقوط نظام بشار الأسد وتسلمّ «هيئة تحرير الشام» السلطة الانتقالية بقيادة زعيمها أحمد الشرع. في خطوة سياسية مستعجلة، أعلن المجلس الوطني الكردي انسحابه من الائتلاف الوطني السوري المعارض بعد 12 عاماً من العمل المشترك، في أعقاب التحولات الجذرية التي شهدها المشهد السياسي والعسكري السوري، غداة سقوط نظام بشار الأسد وتسلمّ «هيئة تحرير الشام» السلطة الانتقالية بقيادة زعيمها أحمد الشرع. اتهامات بالشعبوية وشق صفوف الأكراد
تأسس المجلس الوطني الكردي عام 2011، مع اندلاع الحرب السورية، كإطار سياسي يضم أحزاباً وتيارات كردية عدة، إضافة إلى شخصيات مستقلة. وينظر إليه من المعارضة السورية وأطراف إقليمية داعمة لها كبديل سياسي لإطار الوحدة الوطنية الكردية الذي يقوده حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD)، أكبر أحزاب الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.
وحظي المجلس بدعم إقليم كردستان العراق، واعتبره مؤيدوه ممثّلاً للتيار القومي الكردي والمدافع عن الحقوق الكردية في سوريا، فيما يتهمه معارضوه بتشتيت وحدة الصف الكردي والابتعاد عن الواقعية السياسية بالهروب إلى شعارات شعبوية.
ووفقاً للدكتور عبد الحكيم بشار، نائب رئيس الائتلاف المعارض سابقاً وعضو مؤسس وأول رئيس للمجلس الوطني الكردي، فإن قرار الانسحاب جاء بعد نقاشات داخلية مطولة مع الائتلاف.
ويوضح، في حديث الى «النهار»، أن «الائتلاف تأسس عام 2012 بهدف إسقاط نظام الأسد عبر عملية سياسية، وبعد تحقق هذا الهدف عبر الوسائل العسكرية، لم يعد هناك مبرر لاستمرار عمله».
ويضيف أن «الائتلاف قرر حل نفسه، وأن يكون في تصرّف الإدارة الجديدة في دمشق، وهو ما دفع المجلس الوطني الكردي إلى الانسحاب قبل ذلك».
ويؤكّد بشار أن «المجلس يرى نفسه طرفاً تفاوضياً مستقلاً، ولديه برنامج عمل خاص بالقضية الكردية والسورية بشكل عام. لذلك، رفض وضع نفسه تحت تصرف أي جهة سورية من دون مفاوضات مباشرة وتوافق حول القضايا الوطنية والقومية». أبرز مطالب المجلس الوطني الكردي؟
يطرح المجلس الوطني الكردي رؤيته لمستقبل سوريا بناء على مطالب أساسية، منها تحويل سوريا إلى دولة فيديرالية، مع إقليم كردي يتمتع بحكم ذاتي في المناطق ذات الغالبية الكردية. ويرى أن الفيديرالية هي الحل الأمثل لضمان مشاركة جميع المكونات السورية في صناعة القرار ومنع عودة الاستبداد.
ووفق بشار، فإن «الفيديرالية ليست بداية لتقسيم البلاد كما يروّج البعض، بل هي نظام يحقق الاستقرار ويعزز الديموقراطية، كما هي الحال في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا».
المطلب الآخر هو إعادة تعريف سوريا كدولة تعترف بالتنوع القومي والديني والثقافي، وإلغاء أي صفة قومية للدولة لمنع تهميش القوميات الأخرى، وتحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الدستور، وحيادية الدولة حيال الأديان والمكونات المختلفة.
لذا، يصر المجلس الوطني الكردي على تغيير اسم الدولة إلى «الجمهورية السورية» بدلًا من «الجمهورية العربية السورية»، وإعادة النظر في النشيد الوطني ليعكس التنوع السوري. «هذه الخطوات ضرورية لتعزيز الانتماء الوطني لدى جميع المكونات السورية»، بحسب ما يقول بشار.
اللقاء مع الشرع مؤجل
على رغم تهنئة المجلس الوطني الكردي لأحمد الشرع بتسلمه السلطة الانتقالية، إلا أنه لم يلتقِه حتى الآن. ويعلّل بشار ذلك بالقول إن «المجلس ينتظر استقرار الأوضاع قبل المطالبة بلقاء مع الشرع، خصوصاً في ظل الحوارات الجارية بين الأطراف الكردية لتشكيل وفد تفاوضي موحد».
ويواجه المجلس تحديات عدة في مساعيه لتحقيق مطالب الأكراد في سوريا، أهمها الانقسامات الداخلية الكردية، خصوصاً بينه وبين حزب الاتحاد الديموقراطي، والتي تعوق تشكيل جبهة كردية موحدة للتفاوض مع السلطة الانتقالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ معارضة بعض الأطراف السورية لفكرة الفيديرالية، واعتبارها مقدّمة لتقسيم البلاد يصعّب من مهمات المجلس ويدفعه في اتجاه السعي اغلى توحيد الموقف الكردي لإقناع هذه الأطراف أو فرض المطالب الكردية عليها.
ويضاف إلى كل ما سبق، موقف الفصائل المسلّحة والجهات المدعومة من تركيا المتحفظ عن المطالب الكردية، ولاسيما منها ما يتعلق بالحكم الذاتي.
مسؤولية التعديات في عفرين
ويؤكد بشار أن المجلس الوطني الكردي يحتفظ بعلاقات جيدة مع العديد من المكونات السورية، بما في ذلك الدروز والمسيحيين والعلويين، وكذلك مع القوى السياسية والمجتمعية، مشيراً إلى أن المجلس مستعد لإقامة علاقات مع أي جهة سورية تشاركه مفاهيم قريبة حول مستقبل سوريا.
ووفق بشار فقد «باتت السيطرة اليوم على المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال حلب من عفرين ومحيطها للإدارة الجديدة التابعة للحكومة السورية، وجميع الفصائل المسيطرة على المنطقة انضمت الى الجيش الوطني، ما أدّى إلى تراجع الضغوط على المواطنين هناك».
ورداً على التقارير الدولية بشأن انتهاكات فصائل الجيش الوطني في حق سكان عفرين والمناطق الأخرى، يشرح بشار أنه قبل انتصار الثورة وقبل انهيار النظام، كانت هناك دائماً حوارات مباشرة بين المجلس وهذه الفصائل، و»كنا ننتقد هذه الانتهاكات، وكان هناك تجاوب بدرجات مختلفة بشأن الحلول. ولكن الآن، بعد انتصار الثورة السورية، الوضع في عفرين في حال تحسّن مستمر»، مشيراً إلى أنه «في حال وقوع أي تعديات لاحقة، سيتم تحميل السلطة الانتقالية مسؤوليّتها».
وفي ختام حديثه، يعرب بشار عن تفاؤله بمستقبل سوريا، لكنه يؤكد أن «هذا التفاؤل مشروط بكيفية إدارة المرحلة الانتقالية، بما في ذلك تشكيل المجلس التشريعي والحكومة الانتقالية، وعقد مؤتمر لوضع الدستور».