اعداد / اندرو حلمي

الصّحَافَةُ هي المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والآراء والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أوالثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها.
الصحافة واللغة العربية:
الصحافة هي صناعة الصحفي لمقالات تهتم بجميع الاحداث التي تدور في مجتمعنا، والصحافيون هم القوم الذين ينتسبون إليها ويتطلعون عليها، ويعملون بها. أول من استعمل لفظ الصحافة، بمعناها الحالي، كان الشيخ نجيب الحداد، منشئ جريدة «لسان العرب»، في الإسكندرية، وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في هذا المصطلح «صحافة»، ثم قلده سائر الصحفيين، بعد ذلك.
استخدم العرب والأوروبيون عديدا من المصطلحات لوصف الصحافة، بأشكالها المختلفة. فعند دخول الصحافة، لأول مرة، في مطلع القرن التاسع عشر، كان يطلق عليها لفظة «الوقائع»، ومنها جريدة الوقائع المصرية، كما سماها رفاعة الطهطاوي. وسميت كذلك «غازته»، نسبة إلى قطعة من النقود، كانت تباع بها الصحيفة. كما أطلق عليها الجورنال. وقد استعمل العرب الأقدمون كلمة « صحفي» بمعنى الوراق الذي ينقل في الصحف، وقيل في ذلك عن بعضهم: «فلان من أعلم الناس لولا أنه صحفي» بمعنى أنه ينقل عن الصحف أو الصحائف. وقد عرف بعضهم الصحافة الحديثة بأنها كل نشرة مطبوعة تشتمل على أخبار ومعلومات عامة وتتضمن سير الحوادث والملاحظات والانتقادات التي تعبر عن مشاعر الرأي العام وتباع في مواعيد دورية محددة وتعرض على الجمهور عن طريق الاشتراك والشراء.
وقد أطلق العرب لفظ الغازته على الصحف، في أوائل عهدها، تقليدا للأوروبيين؛ حيث يقال إن أول صحيفة، ظهرت في البندقية، عام 1656، كانت تسمى غازته؛ فشملت هذه التسمية فيما بعد كل الصحف بلا استثناء.
وعندما أنشأ خليل الخوري، عام 1858، جريدة «حديقة الأخبار» في بيروت أطلق عليها اللفظ الفرنسي «جورنال». وكان الكونت رشيد الدحداح اللبناني، صاحب جريدة «برجيس باريس»، الباريسية، هو أول من اختار لفظ «صحيفة»، وجرى مجراه أكثر أرباب الصحف، في ذلك العهد، وبعده؛ فما كان من أحمد فارس الشدياق اللبناني، صاحب «الجوائب» في القسطنطينية، وهو الذي ناظر الكونت رشيد الدحداح، في بعض المسائل اللغوية، إلا أن عقد العزم على استعمال لفظ «جريدة» (وهي الصحف المكتوبة كما وردت في معاجم اللغة) ومن ذاك الوقت شاع لفظ الجريدة، لدى جميع الصحفيين، بمعناها العصري.
وقد استعمل بعضهم، كالقس لويس صابونجي، صاحب «النحلة»، لفظة «النشرة»، بمعنى الجريدة، أو المجلة، وهكذا صنع المراسلون الأمريكيون، أصحاب «النشرة الشهرية»، و»النشرة الأسبوعية»، في بيروت وغيرهم.
ومن المسميات، التي أطلقت على الصحافة، «الورقة الخبرية» و»الرسالة الخبرية» وقد استعملتها جريدة المبشر، وأكثر الصحف العربية، في الجزائر ومنها كذلك «أوراق الحوادث»، وهو الاسم الذي أطلقه، للدلالة على صحف الأخبار، نجيب نادر صويا، منشئ مجلة «كوكب العلم»، في القسطنطينية.
وهناك، كذلك، اسم «المجلة» وأول من استعمله، في الوطن العربي، كان الشيخ إبراهيم اليازجي، عندما أصدر مجلة الطبيب، عام 1884. ولفظة المجلة أصلها الفعل «جل»، أي علا وسما مقاما، أو وضح وظهر. ومن ثم فإن اسم المجلة يعني إيضاح الحقائق.
نشأة الصحافة وتطورها في العصور القديمة:
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وخلق معه غريزة حب الاستطلاع، والبحث والتطلع لمعرفة كل ما هو جديد، في الحياة، من أجل الاطمئنان إلى البيئة، التي يعيش فيها، داخليا وخارجيا.
ومنذ وجد الإنسان، وعرف اللغة والكلام، نشأت عنده حاجة لأن يقول للآخرين ما يعمل، وما يفكر فيه؛ ويعرف منهم، كذلك، ما يعملونه، وما يفكرون فيه، لأن طبيعة الإنسان الاجتماعية، تجعله يهتم بما يدور حوله، ولا يستطيع الحياة وحده، فكان لابد من إيجاد وسيلة للتعبير عن آرائه، وآماله وآلامه وحاجاته، إلى غير ذلك.
والصحافة، بمعنى نقل الأخبار، قديمة قدم الدنيا وليست النقوش الحجرية في مصر والصين وعند العرب الجاهليين، وغيرهم من الأمم العريقة، إلا ضربا من ضروب الصحافة في العصور القديمة. ولعل أوراق البردي المصرية، من أربعة آلاف عام، كانت نوعا من النشر أو الإعلام أو الصحافة القديمة.
وكانت الأخبار، في هذه العصور الأولى، خليطا من الخيال والواقع، تمشيا مع رغبات السامعين، بغية التسلية، الإشادة بالبطولة والقوة، وكان هذا اللون من القصص كثير التداول بين الناس يعمر طويلا، وينتقل من جيل إلى جيل، على صورة القصص الشعبي، الفولكلور. ولو صح ما قاله المؤرخ يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، التي اعتمد عليها نيروز، في القرن الثالث قبل الميلاد، في كتابه «تاريخ الكلدانيين»، لتبين أن الصحافة، كظاهرة اجتماعية قديمة جدا، عرفت في العصور السحيقة.
ويقال أن الصحافة بدأت في صورة الأوامر، التي كانت الحكومات توفد بها رسلها مكتوبة، على ورق البردي، إلى كل إقليم. وكان لهؤلاء الرسل محطات معينة يتجهون إليها، بما يحملون من الرسائل، لهم جياد في كل محطة. ومتى وصلت الرسالة إلى حاكم الإقليم، أذاع ما فيها على سكان إقليمه، وقد يلجأ، في بعض الأحيان، إلى إطلاق المنادين ينادون بما فيها.
استخدمت الحكومات كذلك النقش على الحجر، وكان لابد لها حينئذ من أحجار عدة، تنقش على كل واحد منها، نسخة من التبليغ، الذي تريده، ثم تبعث بها إلى حيث توضع، في المعابد، التي يكثر تردد الناس عليها. ومن هذه الأحجار، حجر رشيد المشهور، الذي كان وسيلة للوقوف على سر الكتابة المصرية، وقد وجدت من هذا الحجر ـ إلى منتصف القرن العشرين ـ نسختان، إحداهما أخذها الإنجليز، أثناء حملة بونابرت، ووضعوها في المتحف البريطاني، والثانية عثر عليها، بعد ذلك، وهي توجد الآن في المتحف المصري.
وكان حجر رشيد مكتوبا بثلاثة خطوط: اليوناني والديموطيقي والهيروغليفي، وهو يعود إلى عهد بطليموس الخامس، في نحو 196 قبل الميلاد. وكان الغرض من كتابته هو إذاعة قرار أصدره المجمع الديني، في مدينة ممفيس، فكان الخط اليوناني لليونانيين، والخط الديموطيقي لعامة الشعب، والخط الهيروغليفي للكهنة، وبذلك يمكن القول أن حجر رشيد كان جريدة واسعة الانتشار.
ولا يقتصر الأمر على مصر؛ ففي معرض الصحافة، في كولونيا بألمانيا عام 1928، توجد قطعة من الحجر عثر عليها في جزيرة كريت، ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس ق م، نقش عليها باليونانية القديمة دعوة إلى وليمة. كما عثر على قطعة أخرى من الخشب، في أستراليا، يرجع تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، وعليها دعوة إلى وليمة، كذلك، وهذا يشبه ما تنشره الصحف، الآن، من أخبار الزواج، والولائم والدعوة إليها.
تعد الرسائل الإخبارية المنسوخة المظهر البدائي، أو الأولي للصحافة، منذ الحضارات الشرقية القديمة، وهناك أوراق مصرية من البردي الفرعوني يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، تتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول، عند القراء، وجذب انتباههم.
على واجهة معبد هيبس يوجد نقش فيه بنود قانون يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ضمانا لسير العدالة، وإيضاحا لقواعد جباية الأموال، وإنذارا بالعقاب عن الجرائم المتفشية، وأهمها الرشوة، والبلاغ الكاذب.
ويؤكد المؤرخ يوسف فلافيوس أنه كان، للبابليين، مؤرخون مكلفون بتسجيل الحوادث، شأنهم في ذلك، شأن الصحفيين في العالم الحديث. ولقد كان لبابل، في العصور القديمة، شهرة منف وطيبة، في مصر الفرعونية. وبلغت أوج مجدها، في عهد الملك حمورابي، عام 2100 ق م الذي تنسب إليه أول صحيفة ظهرت، في العالم، وهي مجموعة حمورابي للقوانين التي عدها علماء تاريخ القانون أول صحيفة لتداول القوانين، مثل صحيفة الوقائع المصرية، وغيرها من الصحف الرسمية، التي تنشر القوانين، واللوائح، والقرارات.
وعرفت معظم الحضارات القديمة، كحضارة الصين والإغريق والرومان، الخبر المخطوط، فقد أصدر يوليوس قيصر عقب توليه السلطة، عام 59 ق م، صحيفة مخطوطة اسمها اكتاديورنا actadurina أي «الأحداث اليومية». يكتب فيها أخبار مداولات مجلس الشيوخ، وأخبار الحملات الحربية، وبعض الأخبار الاجتماعية، مثل الزواج والمواليد والفضائح، وأخبار الجرائم والتكهنات. وكان للصحيفة مراسلون، في جميع أنحاء الإمبراطورية، وكانوا غالبا من موظفي الدولة.
بدايات الصحافة في أوروبا:
وفي أوروبا، في العصور الوسطى، كان البابا يسجل أحداث العام على سبورة بيضاء ويعرضها في داره، حيث يحضر المواطنون للإحاطة بما فيها. وعندما ازداد النفوذ البابوي، أصبح القول الشفهي، والسبورة، غير كافيين؛ فنشأت النشرة العامة، وهي لون من الأوراق العامة، لعلها أصل الجريدة الرسمية الحالية؛ ومن ثم حلت النشرة الدورية، محل الحوليات الكبرى. استمر استخدام الرسائل الإخبارية المنسوخة، طوال العصور الوسطى، لخدمة التجارة، بين المدن الأوروبية المختلفة، وأصبحت مدينة «فيينا» مركزا لهذه الخطابات، وأصبح هناك كتاب، مهنتهم كتابة الأخبار، أو الرسائل الإخبارية، في جميع المدن الكبرى، وفي إنجلترا خاصة، ظهر ما يسمى بالوريقات الإخبارية News Sheets أثناء حرب الثلاثين (1618 ـ 1648).
وشكلت الرسائل الإخبارية المنسوخة، أو المخطوطة باليد، المظاهر الأولى للصحافة الأوروبية، خلال القرن الرابع عشر، في إيطاليا ثم في إنجلترا وألمانيا وكان يكتبها تجار الأخبار تلبية لرغبة بعض الشخصيات الغنية، ذات النفوذ الكبير، والمتعطشة إلى معرفة أهم أحداث العالم. وكان لهؤلاء التجار، مكاتب إخبارية جيدة التنظيم، ظلت تعمل لحسابهم، خلال القرن الخامس عشر، وجزء من القرن السادس عشر، وكان يوجد، في مدينة البندقية، مكاتب كثيرة من هذا النوع. وكذلك في سائر العواصم الأوروبية. وكان تاجر الأخبار يستأجر العبيد، الذين يعرفون الكتابة، أو يشتريهم، ويملي عليهم ما جمعه، من أخبار، ليدونوها، ويعدوها للبيع والتوزيع على المشتركين، وخاصة رسائل الأخبار العامة، التي كانت تختلف عن رسائل المعلومات الخاصة الموجهة لكبار رجال السياسة والاقتصاد.
كان إخوان فوجرز أشهر تجار الأخبار جميعا، اتخذوا من مدينة اوجزبرج مقرا لهم، إلى جانب مكاتب إخبارية فرعية، في لندن، وباريس وغيرها، من العواصم الأوروبية، ومدنها الكبرى. وكان إخوان فوجرز متخصصين في أعمال المصارف؛ فنشروا، إلى جانب الأخبار السياسية والحزبية، أخبارا تجارية ومالية، ذات قيمة كبيرة للتجار ورجال المال.
بعد مرحلة الكتابة على ورق البردي، وغيره، ظهرت الكتابة على الصفحات الخشبية، إلى أن أمكن الطبع منها، باستخدام القوالب الخشبية، أو الطباعة القالبية. وكان للفينيقين بعد اختراع الورق، السبق مرة أخرى في اختراع الطباعة القالبية؛ وذلك بنقش الكتابة على لوح من الخشب، ثم تفريغ ما حول الكتابة، فتبقى الحروف بارزة، يوضع عليها الحبر، لكي يطبع منها العدد المطلوب، من النسخ. وكانت هذه هي الطريقة الشائعة في الصين كذلك، في القرنين الخامس والسادس الميلادي، ثم تطورت بعد أن اخترع بي شينج أول حرف من الفخار، في عهد شينج لي، في أواخر النصف الأول من القرن الحادي عشر. وفي الوقت نفسه، كانت الطبقات الأرستقراطية، في أوروبا، تنفر من هذا النوع، من الطباعة، فتمسكت بالكتب النادرة المنسوخة.

توصل الغرب، في القرن الخامس عشر الميلادي، إلى ما اهتدى إليه «بي شينج»، من صنع حروف متفرقة. وتطورت الفكرة الجديدة إلى أن ظهر أول مخترع للحروف المعدنية المنفصلة، في ألمانيا في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، هو يوحنا جوتنبرج، الذي ولد في مدينة مينز الألمانية، عام 1400 ميلادي. لاحظ جوتنبرج أن القراءة والتعلم مقصورين على الأغنياء، من دون الفقراء، بسبب نظام النساخ، الذين ينسخون الكتابات، لقاء أجر كبير لا يقدر عليه إلا الموسرون، ومن ثم فكر جوتنبرج في تكرار النسخ، على نطاق واسع، من خلال اختراع حروف الطباعة المتفرقة والمسبوكة من المعدن، مما أحدث انقلابا فكريا لم يشهده العالم، من قبل؛ إذ بفضل هذا الاختراع، أمكن حفظ تراث الأجيال السابقة، وتمكين الأجيال اللاحقة من الانطلاق، في المعرفة، والعلم، وتطويع الطباعة، لخدمة الإنسان، في جميع أنشطته اليومية.
هناك رواية أخرى تقول إن المخترع الحقيقي رجل هولندي، يدعى لوران كوستر، نجح في صنع حروف، من قشور الأشجار، وطبع بها بعض الأشعار، ثم ابتكر حروفا منفصلة، من الرصاص والقصدير، عام 1423. وكان فاوست يعمل عنده، فسرق أدوات الطبع، وهرب بها، إلى امستردام، ثم إلى مينز بألمانيا وهناك تعرف على جوتنبرج، واشتركا معا في نشر هذا الفن.
ومن ثم، يكون يوحنا جوتنبرج هو مخترع الطباعة الحقيقي، في رأي أغلب الكتاب، وإن كانوا يسلمون كذلك، بأنه سبقه عدة محاولات، منها محاولة لوران كوستر الهولندي.
وقد ثبت أن أول كتاب، طبع بحروف منفصلة، هو الإنجيل، الذي طبع باللغة اللاتينية فيما بين 1452 و1455 ميلادية، بمدينة مينز، ويحمل اسم جوتنبرج. ويذكر المؤرخون أنه، بعد نجاح تلك التجربة، انهالت عليه طلبات الطبع، ثم انتشر استخدام الحروف المنفصلة، في مدن ألمانيا حتى بلغ ما طبع بها، خلال أقل من خمسين عاما، نحو أربعين ألف مطبوع، يبلغ عدد نسخها ما يقرب من عشرين مليونا.
بعد نجاح فكرة الطباعة الحديثة، في ألمانيا انتقلت إلى دول أوروبا، في الفترة من عام 1456 إلى 1487 ميلادية، وكانت إيطاليا أولى الدول بعد ألمانيا في هذا المجال، ثم تلتها باقي الدول ثم انتقلت الطباعة إلى تركيا عام 1503، ثم عرفتها روسيا عام 1553، أما الولايات المتحدة فقد عرفتها عام 1836.
أمكن، بعد ذلك، طباعة عدد كبير من النسخ، من الخبر الواحد، مما يسر وصول الخبر إلى أكبر، عدد، من القراء، إضافة إلى ما توفره الطباعة، من وقت وجهد.
على الرغم من اختراع الطباعة، ظلت الرسائل الإخبارية، المنسوخة باليد، باقية حتى مطلع القرن الثامن عشر، أي بعد اختراع الطباعة، بثلاثة قرون. وكانت هذه الرسائل تسد فراغا كبيرا، لا يمكن أن تسده الصحافة المطبوعة، في ذلك الحين؛ لأن القيود الحكومية، والرقابة الصحفية، وقوانين النشر المختلفة، كانت تنصب على المطبوعات فقط؛ مما جعل لهذه الرسائل الإخبارية المنسوخة أهمية كبرى، وخاصة عندما تكون الحكومة شديدة في رقابتها، أو عندما تصادر المطبوعات، أو تعطلها.
كما تقدمت منشورات المناسبات الخبرية المخطوطة، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأدى المخبرون، إلى جانب الصحفيين، دورا كبيرا في تأمين الأخبار، وشكلوا، حتى عام 1789، شبكات إخبارية تكمل شبكات الصحافة الخبرية المطبوعة، وغدت الجرائد المخطوطة، والصور، والتقويمات، حتى منتصف القرن التاسع عشر، أدبا شعبيا تتناقله الطبقات الشعبية وكان له تأثير يفوق الخبر المطبوع. ولكن، في نهاية القرن التاسع عشر، انتشار المطابع، ورخص ثمن الصحف الشعبية، وارتفاع توزيع المطبوع منها، إلى اختفاء الخبر المخطوط نهائيا.
ساعد، على انتشار النشرات الخبرية المطبوعة، تزايد اهتمام الناس بأخبار المستعمرات، عقب الكشوف الجغرافية، ثم وقوع الحروب التركية والإيطالية، التي اشتركت فيها غالبية دول أوروبا، وظهور حركة مارتن لوثر الدينية، وازدهار عصر النهضة، ثم ما كان من سيطرة الطبقة البورجوازية، على الحياة الأوروبية، وتزايد الحريات.
بدأ ظهور الخبر المطبوع، عندما أصدرت بعض دور النشر نشرات مطبوعة، بأرقام مسلسلة، ولكن بشكل غير دوري، ثم ظهرت، بعد ذلك، نشرات إخبارية مطبوعة في شكل أحداث سنوية منتظمة الصدور، متضمنة بعض المعلومات الفلكية. واستمر ذلك، حتى عام 1470، ثم ظهرت نشرات تصدر، كل ستة أشهر، في فرانكفورت عام 1588، أصبحت شهرية، ثم صدرت أسبوعية بصورة منتظمة.
كانت هذه النشرات الأسبوعية تصدر، بمقتضى امتياز تمنحه الدولة، أو المدينة، مقابل فرض الرقابة عليها. وكانت تنشر، من دون تعليق على الأخبار الخارجية، وخاصة السياسية والعسكرية منها، وكان محظورا عليها نشر الأخبار الداخلية. وتعد فرنسا أول دولة أصدرت صحيفة رسمية، فعندما تولى ريشليو مقاليد السلطة، أدرك فائدة الصحافة، وأثرها على الرأي العام، ووجد في تيوفراست رينودو الرجل، الذي يمكن الركون إليه، في مثل هذا المجال، وفي عام 1631 أصدر رينودو الجازيت، التي عرفت باسم جازيت دي فرانس، وكانت لا تنشر المقالات، بل أخبارا، من كل لون، الداخلية منها والخارجية، بأسلوب مقتضب، أسوة بالأخبار الموجزة، التي تنشرها بعض الصحف اليومية، في الوقت الحاضر، وحذت معظم دول أوروبا حذو فرنسا فأنشأت صحفا رسمية.
وفيما عدا هولندا، وإنجلترا لم تظهر صحافة حرة، في أوروبا، إلا بعد انقضاء قرنين من الزمن؛ ففي إنجلترا ظهرت الصحف، لأول مرة، بين 1641 و1643، ولكنها كانت قصيرة المدى. ولما جاء البرلمان وضع لها نظاما، إلا أن كرومويل، وأسرة ستيوارت، أعادا مرة أخرى، الامتياز والرقابة، فأصبحت الأقاليم المتحدة (هولندا)، هي الملجأ الوحيد للصحافة الحرة، مدة خمسين عاما.
وفيما عدا الجازيتات الهولندية، فقد ظلت جميع الصحف خاضعة للرقابة، ولإرادة الملوك والأمراء. أما صحافة الإنجليز، فتمتعت بالحرية، وزالت عنها الرقابة، منذ عام 1695؛ فأصبح للصحافة طابع خاص، وأخذ تأثيرها يتزايد مع الأيام.

Loading

اترك تعليقاً

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com