لكل منا إصابة مؤلمة في حياته، فبيننا مَنْ هو مصاب ومجروح في صحته وْمَن هو مصاب ومجروح من أجل قصور الأحواله المادية ومن هو مصاب ومجروح في مستواه التعليمي ومَنْ هو مجروح في مستواه الاجتماعي أو الوظيفي.
فليس مِن الإنسانية أن يتحدث الأصحاء عن إصابة في أحد هذه الجوانب أمام مَنْ يفقتقر إلي الصحة فيها.. فليس الجميع يملكون شعور الرضى عن حاله، فهناك من يتألم في صمت.
فتخيل أن أحد لديه إصابة ما في أحد أجزاء جسده فهل من الإنساني أن نقوم بالضرب علي هذه الأصابة
نحن كثيراً نضرب علي إصابات غيرنا دون قصد منا فنزيد شعورهم بالمعاناه مع أن الجميع لديه إصابات ولكن في مواضع قد تختلف مع غيرنا ولكن الجميع لديه ما يؤلمه في هذه الحياه ودوام الحال مُحال ولكن ما أريد أن أقوله سأحاول شرحه بمثال وهو أنه يمكن لشخص فاقداً أحد أطرافه أن يلهب حسرة كفيف فاقداً لبصره بأن يسترسل أمامه في وصف الألوان وجمال الطبيعة مثلاً فالكفيف لن يري الطرف المقطوع لهذا الرجل ولكن كلام ذو الطرف المقطوع أثار مشاعر الكفيف وأبكاه علي حاله مع أن كلاهما لديه إصابة ولكن بأوضاع مختلفة فذات الطرف المقطوع يمكن أن يأذي مشاعره أيضاً كمال أجسام يتباهي بعضلاته ويستعرضها أمامه وكمال الأجسام قد يكون فقيراً والفقير قد يؤذيه حديث الأثرياء والثري قد يبتلي بالأمراض فيحسد صحة الفقراء
بوضوح وبأختصار انتبه
الجميع لديه ما يجعله محسودا وما يجعله حاسدا لغيره وجميعنا نزيد في أشياء و ننقص في أخرى
فانتبه
حين تتكلم عن أمك أو أبيك أمام يتيم
حين تتكلم عن مالك ومشترياتك أمام فقير أو شخص دخله محدود
حين تتحدث عن عائلتك أمام مُغترب أو مَن ليس لديه أحد
حين تتفاخرون بحسبكم ونسبكم ومعارفكم أمام بسطاء متضعين في المستوى الإجتماعي لا يعرفون سوي البسطاء أمثالهم فإن كان لديكم ظهوراً بشرية تتكلون عليها فهم لهم الله بجلاله وكماله ليتكلوا عليه ولكنهم لا يدركون ولكن عليكم أنتم أن تدركوا فلا تحتقروا أحد
وأيضاً حين تتكلمين عن أسرتك وأولادك أمام فتاه لم يكن الزواج مقدراً لها أو لم تحظي بشريك بعد وطال انتظارها مثلاً وهذا يحدث للرجال والنساء ليس النساء فقط ولكن النساء أكثر عمقاً
حين تتحدث عن شهاداتك أو تنطق الكثير من المصطلحات بلغات أخرى أمام شخص لم تسمح له الظروف أن يتعلم كثيراً ويكون علي درجة عالية من التعليم مثلك
حين تتحدث عن نجاحاتك وانجازاتك أمام البسطاء
حين تتحدث عن أولادك كثيراً أمام من حملوا نير الحرمان من الإنجاب
لا تتحدثون عن أى كيان يفتقده غيركم
حتي ولو كان التباهي ببشرتك البيضاء أمام فتاه بشرتها سمراء أو التباهي بچيناتك الوراثية التي جعلت ملامحك جميلة أمام شخص ليس علي درجة من جمال الملامح أو يعاني من تشوه ما في ملامحه ففي النهاية لم يخلق أحد نفسه وهذا قد يجرح كثيراً
حينما تكون الأمور العادية في حياتكم هي حلما بالنسبة لأشخاص أخري فهذه دعوة للشكر لله وليست دعوة للتباهي بها أمام الذين حرموا منها
فالكلام عن الحرية قد يكون طبيعياً بالنسبة لك ولكنه قاسي بالنسبة لشخص مسجون هل فهمتم قصدي
لأن ليس الجميع راضٍ عن حاله وشاكراً لربه
وليس الجميع يدرك أن الجميع مصابون ولا يوجد كمالاً علي الأرض
ومن هنا قد يأتي الحقد والحسد والبغضة والغيرة
أو من هنا تأتي العثرات والشعور بصغر النفس أو الشعور بالنقص أو الشعور بالحرمان للبعض الآخر وكلنا قد نجرح غيرنا دون قصد فحينما نتحدث يجب أن نحتسب لمشاعر الآخر فهذا يشبه كثيراً أن لا نأكل أمام الصائمين حتي لا نزيد عليهم مشقة صيامهم ومع أني لا أتفق مع هذا المثل كثيراً لأن الصائم أجره في احتماله ولا يجب أن يذل الصائم كل الناس لأنه صائم وهو أيضاً صائم بإرادته وحريته ولكني أقصد المثل من الجانب الذوقي فنحن حينما لا نأكل أمام الصائم فهذا ذوقياً فقط و ليس إلا فريضة الذوق والأخلاق أما الحالات الأخري فهي فريضة الإنسانية وأقصد إذا كنا نحترم شعور الصائم أحياناً فبالأولي أكثر الحالات المصابة والمجروحة الأكثر عمقاً كالتي ذكرتها أولاً ولكن ذلك لا يعني أن ننكر أنعام الله علينا أو ندعي الحرمان حتي لا نجرح شعور من هم أقل منا فهذا يعتبر كذباً أيضاً وإنكاراً لأفضال الله علينا ولكن ما أقصده هو أن لا نتكلم عنها كثيراً أمام من حرموا منها فكلمة (الحمد لله) كافية
أما اللذين لديهم أطفال فلا مانع مثلاً أن نتشارك الخبرات في تربية البنين أو البنات أو نحكي طرائفهم مثلاً طالما كلانا انجب أطفال ولا ينجرح شعوره في هذا الجانب فلن يحزن أحد ولكن هذا أيضاً بشرط إذا كان كل الأولاد أصحاء وبكامل قدراتهم ففي بعض الأحيان يكون لأحدهم طفل ذو إحتياجات خاصة أو تشوهات أو متلازمات فهذا أيضا يجب أن يكون في الحسبان وفي هذه الحالة أيضاً لا يجب أن نتحدث عن ذكاء أطفالنا أو مواهبهم أو تفوقهم وهذا ينطبق على باقي الحالات أيضاً فأكثر ما يخيف المرء أن يشعر أنه وحده الذي ابتلي بأمر ما فتخيلوا معي شعور شخص لم يرزق بأي أطفال مثلاً وهو الوحيد في عائلته كلها الذي حدث معه هذا الوضع !! ولكني أعتقد أنه إذا كان بين أفراد عائلته أو أقاربه أو معارفه من يعاني من نفس المشكلة فشعوره سيكون أقل إنهياراً فعلي الأقل سيشعر أنه ليس الوحيد وأن هناك من يشعر بمقدار حزنه ومثالاً آخر يظهر بوضوح بين الطلبة فتخيل أن فصل ما من إحدى المدارس رسب فيه طالب واحد فتخيل شعوره المضاعف بأنه رسب وما يضاعف الشعور بالحزن أنه الوحيد الذي رسب ولكن تخيل أن الجميع رسب في هذا الفصل أو معظمه فلن يشعر أحد بالأكتئاب لهذا الرسوب لأنه ببساطة الكثير رسبوا مثله هو ليس الوحيد وهناك قاعدة تقول المساواه في الظلم عدل فإذا كانت سيادة الظلم تجعله عدلاً أو على الأقل تكسر جموحه أو حدة الشعور به فأيضاً المساواة في الإبتلاء تكسر حدة الشعور به فنحن لا نشعر أننا بخير أبداً حين نكون الوحيدون أو أننا شاذون عن الطبيعي فقمة الأنهيار النفسي من وجهة نظري أن يتواجد شخص فقير بين حشود الأغنياء أو يتواجد المشلول بين جيش الأصحاء فهذا مدمراً نفسياً إذا لم يكن الشخص قوياً وعلي درجة عالية من الرضي والإيمان ولكن هل نضمن أن الجميع بهذا القدر من الرضي والإيمان ؟!
لذلك يجب علينا الحرص والتحلي بالإنسانية وأيضاً أنا يعجبني بعض الناس الذين حينما يتكلم المجروح أمامهم ينصتون بمشاعر دافئة بل ويشاركوهم ضيقاتهم التي نجاهم الله منها سابقاً فيعطوهم الأمل والرجاء وهؤلاء اللذين تتجلي فيهم الإنسانية فإن كان ليس بيديك أن تحل مشكلة لشخص فعلى الأقل لا تجعلها تتفاقم وتزيد عنائها بأفتخارك لما تملكه
فأذكر ما ينقصك لتشارك به آلام المتألمين من نقصهم إذا كان ممكناً أما إذا لم يكن فعلى الأقل لا تزيد عليهم آلام شعورهم بالنقصان
وفي النهاية أود أن أقول أن الله ربما خلقنا بنا نواقص وزوائد حتي تكمل زوائدنا نواقص غيرنا وحتي تكمل زوائد غيرنا نواقصنا حتي نكمل بعضنا وانا تأملت بهذا القول فتخيلت أننا مثل قطع (الباظل) التي تزيد من جانب حتي تكمل به جانب في قطعة أخرى وقطع(الباظل)هذه تكمل بعضها لتكون صورة واحدة فلا يصح أن تحتقر قطعة الأخرى لأن كل القطع لديها قطعة ناقصة وقطعة زائدة
بقلم / مينا شاكر