بقلم/ مينا شاكر
لعلك تتسائل الآن ما هذا العنوان الغريب وعن ماذا سوف أتكلم وإني عتيد اليوم أن أتكلم عن هذا النوع من الإتزان الذي من شأنه أن يجعل أي كيان مفيداً أو م ضراً أو مدمراً وما يختل عن هذا الإتزان فهو ما أطلقت عليه مصطلح يسمي (النسبة المُدمرة) وقد وصفتها بالمدمرة لأنها تؤدي إلي خلل يدمر الشكل الطبيعي للأمور أو يُحْدِث خللاً في طبيعتها وفي بداية حديثي إني أجد دائماً أن المثال هو أكثر ما يشرح الكثير من الأمور ولذلك سأشرح لكم النسبة المُدمرة بعدة أمثلة لكي أوضح لكم ماذا أقصد بهذا المصطلح الذي إذا استوعبناه من شأنه أن يفسر لنا الكثير ويحل لنا الكثير من المشاكل الحديثة وأريد أن أبدأ معكم بمثل قالوه قديماً ولكنه صادق جداً فقديما قالوا ( الشيئ الذي يزيد عن حده ينقلب إلي ضده) وإني أجد هذا المثل حكيماً ودقيقاً جداً في الوصف فكم من الناس بالفعل عندما بالغوا في فعل بعض أشياء معينة إنقلبت عليهم حتي ولو كانت أشياء نافعة فإني دائما أجد أن المبالغة عموماً أمراً مدمراً في بعض الحالات فالنتخيل مثلاً أن شخصاً ذهب للطبيب ليشكوا له أنه يعاني من الهزل والدوار وبعد التحاليل أكتشف الطبيب أنه مصاب بفقر الدم فغالباً هذا كان بسبب المبالغة في إهماله في تناول الطعام بكميات مناسبة أو بقيم غذائية جيدة مما أدي إلي وصوله لما أسميه النسبة المُدمرة وهي هذا الخلل في الإتزان إما في المبالغة بالإيجاب أو بالسلب في أمراً معيناً فتخيلوا أيضاً أن نفس هذا الشخص الذي ذكرناه بالغ في تناول اللحوم مثلاً حتي يحسن من حالته وبالغ في تناول المكملات الغذائية ولم يتوقف حتي بعد وصوله لنسبة الإتزان الطبيعية فهذا أيضا سيدخله مجدداً في خللاً من نوعاً آخر ولكن بشكل عكسي ونسبة مدمرة أخري فمن الممكن أن تجلب له المبالغة في أكل اللحوم مثلاً في مرض النقرص وتخيلوا إذا تناول الكثير من المكملات في وقت واحد فقد يؤدي هذا إلي تسمم مع أنه أخذ شيئا مفيداً جداً ولكن إذا أخذه بكميات مبالغ فيها فقد يضره إلي حد مميت وفي كل الحالات سواء بالغ في الإهمال أو بالغ في الإهتمام فكلاً من الحالتين سيؤدي إلي حدوث خلل لأنه لم يراعي النسبة المعتدلة ويمكن أن نقيس علي هذا المثل الكثير من الحالات الأخري فأنا أذكر في مقال سابق لي أني كتبت عن موضوع بعنوان ( ما بين العشم والتبجح) وشرحت فيه فكرة أجد أن لها مكان في مقال اليوم أيضاً وهذه الفكرة تدور عن أنه كيف إذا زادت نسبة ما يسمونه (العشم) عن الحد الطبيعي المناسب لحجم علاقة معينة بين شخصين فتتحول إلي ما يسمي ( البجاحة) وهذا غالباً يسبب خللاً في هذه العلاقة لإنها ببساطة دخلت في مسار النسبة المُدمرة فأحدثت خللاً ربما قد يسبب دمار العلاقة كلها وفي مثل آخر أجد أن جميع الإدمانات جائت بسبب المبالغة في تعاطي أو ممارسة أشياء معينة فأنا لا أعرف شخصاً أدمن السجائر لأنه شرب سيجارة واحدة فقط ولا أعتقد أن شخصاً أدمن الخمور والكحول لأنه شرب كأساً واحداً منها ولكن جميعهم أدمنوا لأنهم دخلوا في مسار النسب المُدمرة لهذه الأشياء والنسبة المدمرة هذه تختلف من شيئاً لآخر فإذا أفترضنا مثلاً أن الإدمان قد يحدث نتيجة تعدي عدد معين من السجائر أو تعاطيها لفترة معينة من الزمن إلي إدمانها فهذا ما أقصده بما أسميه النسبة المُدمرة فهي مصطلح يمكننا تعريفه بأنه : الحد الذي يتخطى النسب الطبيعية أو المسموح بها من أي شيئ مما يؤدي إلي حدوث خللاً أو ضرراً أو دماراً.
ويمكن أن نقيس عليها إدمانات وأضرار من نوع آخر كإدمان وسائل الميديا والفيس بوك الذي ينشأ من المبالغة في المكوث علي هذه التطبيقات لأوقات طويلة وبشكل مستمر فيتسبب بضياع الكثير من الوقت في اللا شيئ وهذا يعد أيضاً نسبة مدمرة للعلاقات الأسرية فكم من عائلات وأُسر ضعفت الروابط بينهم بسبب هذه التطبيقات التي جعلت الكثير منا منعزلاً مع هاتفه معظم الوقت هذا بسبب تعدينا للنسبة الطبيعية من الوقت التي لا تؤدي إلي حدوث ضرر وأيضاً إدمان بعض الألعاب الإلكترونية التي أصبحت موضة ليس للأطفال فقط بل للكبار أيضاً مثل لعبة ( بابجي) ولعلي كتبت هذا المقال بسبب هذه اللعبة لأنها أثارت استفذاذي عندما رأيت مدي سلبها لإرادة بعض الأشخاص فجعلتهم يلعبونها دون توقف حتي في الأوقات الغير مناسبة لقد رأيت في أحد المرات صبياً من شدة تعلقه بها كان يلعبها حتي أثناء عزاء جدته غير مدرك أن هذا أمراً لا يصح وغير أخلاقي ولكنها سلبته الإرادة لأنه أدمنها وأخذت منه حتى إدراكه لما يدور حوله وفقدته مشاعره وأشخاص أخري رأيتهم يلعبونها وهم في استضافة بعض الضيوف في بيتهم فيترك ضيفه ليلعب بابجي غير أنها في الظروف العادية يضيعون عليها الكثير جداً من الوقت الذي يضيع في اللا شيئ إنها لعبة جعلت الكثير من الناس كالحمقى وهذا لأنهم بالغوا بالتعلق بها وإدمانها وليس هذا فقط
بل وأيضاً قد يكونوا جالسين في وضعية غير صحية بالمرة أثناء لعبهم علي الهاتف وحانيين رقابهم لأسفل أو نائمون على وجوههم لساعات مما يضر أجسامهم أيضاً وفقرات ظهرهم ورقابهم وهذا من أبسط الأضرار التي يمكن أن تحدث ولكني أتعجب كيف للعبة إلكترونية أن تسلب الإرادة إلى هذا الحد ولكن الملامة تقع على عاتقنا لأننا نحن من يبالغ و يدخل الأمور إلي حدها الأقصى أو بمصطلحي الجديد ( النسب المُدمرة )
وهناك أيضاً كيانات أخرى كالعلاقات مثلا ًيمكن أن تدخل فيها النسب المدمرة فعلي سبيل المثال إهمالك وإنشغالك عن بيتك طوال الوقت أو عن شخص يحبك أو عن زوجتك أو أولادك وأصدقائك علي المدي الطويل سيصل بك إلى علاقات مشوهة وبها الكثير من الخلل وتجد مع الوقت أن الروابط التي تربطك بأكثر الأشخاص قرباً لك أصبحت هشة وضعيفة وسطحية هذا لأنك بالغت في إهمالك فدخلت في منطقة النسبة المدمرة للإهمال وعلى النقيد تماماً حينما تبالغ في إهتمامك بشخص ما أو عمل ما أو علاقة ما فأنه في الغالب يحدث فتور من الطرف الآخر ومع الوقت يعتاد علي الأمر ويبدأ بالملل الشديد لوجودك طوال الوقت مما لا يجعل له فرصة للحرية أو حتي فرصة لأن يفتقدك بل ومع الوقت يمكن أن يستاء و يتضجر وهذا يحدث كثيراً بين بعض الأمهات أو الأباء الذين يهتمون بأولادهم بشكل مبالغ فيه أو بعض أولياء الأمور الذين يهتمون بأولادهم ويلبون جميع طلباتهم بشكل يفقد أولادهم تحمل المسؤلية أو الإعتماد على النفس أو يجعلهم أنانيين فيفسدون طبيعتهم وطباعهم بسبب مبالغتهم وعدم حكمتهم أو بين شخص عاطفي للغاية وفتاه يحبها أو العكس مما يجعل الطرف الآخر يشعر بالملل الشديد وهذا يجرح الطرف الأول وقد يجعله يخسره أيضاً والسبب هو انه تعدي النسب الطبيعية التي ينبغي أن يكون عليها الأمور فخير الأمور الوسط والتطرف غالباً يدخل في مسار النسبة المدمرة فحتي الحب والطيبة إذا كانوا أكثر من اللازم و إن لم تتداخل معهما الحكمة فيمكن أن تنقلب إلي سذاجة تضرك وتؤذيك ولك أن تتأمل في كل شيئ لعلي لفت إنتباهك عزيزي القارئ وسأتركك لتتأمل بنفسك باقي الأمور ولا أريد أن أطيل الحديث أكثر من هذا لعلي دخلت في نسبة مدمرة تجعلك لا تقرأ مقالاتي مجدداً عزيزي القارئ وسأختم المقال متمنياً لجميعنا حياة تتصف بالحكمة والإتزان