إنها لحظة تاريخية فارقة. طوال 7 سنوات، منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، لم تتفق الأطراف المتنازعة في حرب أودت بمئات آلاف القتلى وملايين الضحايا، على أن تتواطأ فيما بينها، كما يحصل الآن في درعا.
درعا؛ التي انطلقت منها شرارة الثورة -عندما اجتمع 15 مراهقاً في ليلة 6 مارس/آذار قرب جدار مدرسة «الأربعين» للبنين، مستلهمين ثورات تونس ومصر، لكتابة شعار: إجاك الدور يا دكتور! في إشارة حينها للرئيس السوري، وطبيب العيون، بشار الأسد- مدينة لا تُعرف بأهميتها الاقتصادية، مع ذلك كانت محل نزاع مرير بين: الأردن وأميركا وإسرائيل أيضاً من جهة، وروسيا وإيران وسوريا من جهة أخرى.
لكن كيف حصل أن الجميع؛ ونقصد الجميع تماماً، قد تواطأ للسكوت على دخول القوات الموالية للأسد إلى عاصمة إقليم حوران، والمدينة التي لا تبعد سوى نحو 60 كم عن الجولان التي تحتلها إسرائيل، ونحو 10 كم فقط من الحدود الأردنية؟
واشنطن أبلغت قوات المعارضة أنها لن تؤمن حماية لهم إذا ما فكروا في المقاومة. وإسرائيل ساكتة وإن كانت تترقب الحدود بحذر. والأردن ترسل المساعدات الإنسانيةللمدينة كي لا يفكر سكانها في النزوح إليها. وإيران ساكتة أيضاً فيما تتقدم القوات الموالية للأسد في المنطقة بغطاء روسي، بينما أعلنت 8 بلدات من منطقة حوران «مصالحة» مع دمشق برعاية من موسكو.
هل السر في صفقة القرن بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
بحسب المحللين، يسعى الرئيس السوري بشار الأسد إلى تعزيز فرص بقائه في الحكم من خلال الانخراط في «صفقة القرن» بين الفلسطينيين وإسرائيل، التي سترسم ملامح المنطقة وعلاقة دول الشرق الأوسط ببعضها في المرحلة المقبلة، خاصة أن معظم دول المنطقة تحاول إيجاد موطئ قدم لها في الصفقة.
فبعد أن كان تركيز النظام السوري على استعادة محافظة إدلب، تحولت أنظاره فجأة إلىدرعا، ووجه قواته إلى تلك المنطقة الحدودية مع إسرائيل بالرغم من أنها تحظى باتفاق كان قد أبرم بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائهما الأخير في فيتنام في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
مصادر مطلعة، فضلت عدم ذكر اسمها، قالت إن النظام السوري يخطط للدخول في «صفقة القرن» التي تحضر لها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسعودية، على اعتبار أن ذلك قد يضمن له حجز موقع في الخارطة السياسية الجديدة، وهو ما يعيد تطبيع العلاقات معه ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل الغرب، وينهي الأزمة السياسية في البلاد.
وقالت المصادر إن توجه القوات السورية إلى الجنوب هو لامتلاك أوراق ضغط على إسرائيل تمكن النظام السوري من عقد تفاهم ما، وأضافت: «دمشق وجدت في، اهتمام إسرائيل وواشنطن بإتمام (صفقة القرن)، الفرصة المواتية لعقد صفقة موازية، يضمن الأسد من خلالها البقاء في الحكم»، لافتة إلى أن دمشق بعثت بعدد من الرسائل إلى تل أبيب عبر مسؤولين روس للتمهيد لذلك.
لذلك أراد النظام السوري إعادة مد نفوذه في الجنوب
الباحث الأميركي في الشأن السوري وزميل في مؤسسة سانتشوري، سام هلير، قال إن الجنوب السوري لم يتمتع بحماية دولية حقيقية، عكس إدلب والمناطق الشرقية التي يحميها التحالف الدولي.
وأضاف أن أهداف دمشق هي إعادة السيطرة على عمق العاصمة الجنوبي والجبهة الجنوبية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وإعادة التجارة مع محيطها العربي، وربما إخماد الثورة في مصدرها الأول، بحسب قوله. وأشار إلى أنه لا يتوقع تجديد اتفاق خفض التصعيد الثلاثي أو عقد اتفاق جديد بين واشنطن وموسكو يخص الجنوب، وتابع قائلاً: «الأمل متعلق بالتواصل الأردني-الروسي الثنائي وعلى المفاوضات بين المعارضة والطرف الروسي بوساطة أردنية، وإلا تشير مجريات الأمور لحسم عسكري» كما حدث في مناطق أخرى كحلب والغوطة الشرقية بريف دمشق.
وتبقى روسيا طبعاً عرابة الصفقة
لبوتين الدور الأكبر في هذه الصفقة اذ تتجه إلى القمة الأميركية الروسية المقبلة المقررة في منتصف الشهر الجاريفي «هلسنكي» الفلندية، ومن اللافت للنظر أن اللقاء لن يجري في إحدى دول الاتحاد الأوروبي، لكن على ما يبدو أن الرئيس الأميركي عندما يلتقي خصومه، يختار دولة محايدة، فهو لم يقابل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في «سيؤول» حليفته، إنما ذهب إلى سنغافورة، ورجح مراقبون أن يكون ترمب يفكر فيعقد صفقة مباشرة مع بوتين دون التقاسم مع حلفائه.
وصرّح المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) ديمتري بيسكوف، يوم الجمعة، قائلاً: إن «الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب سيجريان مناقشات مفصلة بشأن سوريا عند اجتماعهما في تموز القادم». وكي تكون عراباً كان على موسكو أن تعرف من أن تؤكل الكتف. فقد استبق بوتين التحضير للمفاوضات، بحسب ما قالته المصادر المطلعة بأمر قواته بشن هجوم عسكري على درعا، معتبراً أن الهدف من ذلك هو تحسينموقع روسيا التفاوضي، ووضع المزيد من الضغط على واشنطن التي تسعى إلى إتمام «صفقة القرن» في المنطقة.
وقال رئيس دائرة الإعلام في الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد رمضان إن روسيا ترغب في عقد صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وأضاف بأنها هي من دفعت باتجاه فتح معركة الجنوب وتوسيع نفوذها في الأراضي السورية.
في الوقت ذاته، اعتبر رئيس هيئة التفاوض السورية، نصر الحريري في مؤتمر صحفي له يوم الخميس في العاصمة السعودية الرياض، أن «الصمت الأميركي» عن ما يحدث في درعا، يخفي «صفقة خبيثة»، وقال إن ذلك «هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفسرغياب الرد الأميركي» على عكس الحزم الذي أبدته واشنطن في الرد بمواقع أخرى.
ما الدور الذي سيضطلع به النظام السوري في «صفقة القرن»؟
أفضل ما يمكن للنظام السوري تقديمه في «صفقة القرن» هو إعطاء الأمن والسلام لإسرائيل والتنازل لها عن الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وقالت المصادر ذاتها إن الرئيس السوري بشار الأسد طلب عبر حليفه الروسي المساومة على بقائه مقابل الانخراط الكامل في المشروع الذي يحضر له، جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي في المنطقة.
ورغم التقارب المتين بين الأسد وحليفه الأساسي إيران، إلا أن المصادر فسرت المقصود بـ»الأمن» هو إبعاد إيران وحزب الله عن الحدود الإسرائيلية، والتعهد بالمحافظة على سلامة الحدود كما جرت العادة طوال العقود الماضية.
وطبعاً إيران ستقلق، وربما سترغب بكرسي أيضاً في الصفقة
وليست واضحة تماماً، الحسابات التي تحسبها إيران في هذه الظروف المعقدة. لكن التصريحات الروسية المتكررة ضد وجود قوات أجنبية في سوريا، دفعت المسؤولين الإيرانيين للشعور بالقلق من مصير الاتفاقات، وقال بهروز بنيادي النائب البرلماني الإيراني، إن روسيا «ليست صديقاً موثوقاً لبلاده».
وأوضح بنيادي في كلمة بالبرلمان يوم الخميس الماضي، أن روسيا والنظام السوري سوف يضحيان بإيران من أجل مصالحهما، وأضاف أن مواقف رئيس النظام السوري بشار الأسد ازدادت تقرباً لروسيا.