أن يرفعَ رئيس مجلس النواب نبيه بري لاءات ثلاث نَواهٍ في شأن ملف الاستحقاق النيابي، فذلك يعني أنّ الأزمة الدائرة حول هذا الاستحقاق قد بلغت ذروتها، فإمّا انفراج، وإمّا انفجار. لأنّ هذه اللاءات تنطوي على تحفيز وحضّ لجميع الأفرقاء على الاتفاق على قانون الانتخاب العتيد، إن لم يتمّ التوصّل إليه فستصبح البلاد أمام احتمالات شتّى.
قال بري للنواب في «لقاء الاربعاء» أمس: «لا لقانون الستين، لا للتمديد، لا للفراغ». وكلّ «لا» من هذه اللاءات الثلاث هي «لا ناهية» عن شيء وعن عدم الإتيان بمثله، ولكنّها محفّزة في الوقت نفسه على إيجاد بديل منه.
فالـ«لا» لقانون الستين تعني الحضّ على إقرار قانون انتخاب جديد يلغي قانون الستين النافذ «لأنّ القانون لا يلغى إلا بقانون»، فكيف إن كان مثل هذا القانون مرفوضاً لدى رئيس المجلس والغالبية الساحقة من القوى السياسية، وإن كان بعضها ما زال يتمسك به ضمناً ويَحلم ببقائه ولا يجاهر بذلك.
وبمعنى آخر، إنّ قول بري «لا» لقانون الستين لا يمكن تفسيرها «لا» للانتخابات في المطلق وإنما لا لانتخابات تُجرى على اساس قانون الستين المرفوض، وهذه الـ«لا» هي في الوقت نفسه «نعم» لانتخابات على اساس قانون بديل من «الستين» يفترض ان يتوافق الجميع عليه لضمان إنجاز الاستحقاق النيابي في أيار المقبل، وإذا تعذّر ذلك ففي الخريف في حال فرض القانون العتيد تمديداً تقنياً لولاية المجلس الحالي بضعة أشهر.
أمّا الـ«لا» للتمديد، أي التمديد للمجلس النيابي، فهي ايضاً تنطوي على تحفيز وحضّ على انتخاب مجلس نيابي لأنّها «لا الناهية» عن التمديد مجدداً للمجلس الحالي، ولكن في حال لم يُنتخب مجلس جديد قبل انتهاء الولاية النيابية الحالية الممددة، فإنّ البلاد ستدخل في فراغ نيابي لا يمكن تداركه إلا بتمديد قسري للمجلس سيكون موضع طعن وتشكيك بشرعيته وقانونيته تماماً مثل التمديد الحالي، في اعتبار انّ الوكالة الشعبية المعطاة للمجلس مدّتها اربع سنوات ولا يجوز تجديدها إلا بالعودة الى الموكِّل، اي الشعب اللبناني بإرادته وخياراته.
ولذلك قصَد بري بـ«لائه» للتمديد هنا الحض على انتخاب مجلس جديد لتلافي إشكاليات قانونية ودستورية اضافيّة يمكن ان يثيرها أيّ تمديد إضافي للمجلس، وهو تمديد لن يكون مبرراً، خصوصاً وأنّ البلاد كانت قد شهدت انتخابات بلدية ولم يحصل فيها ايّ من المشكلات والإشكالات التي كانت الطبقة السياسية قد تذرّعت بها للتمديد للمجلس على دفعتين عامي 2013 و2014 .
والـ«لا» للفراغ، فهي ايضاً ترتبط جدلياً بالـ«لاءين» الأوليين، فهي تنهى عن الفراغ، بل قد تكون جازمةً في الدفع نحو إجراء الانتخابات لإنتاج مجلس نيابي جديد للحؤول دون حصول فراغ في السلطة التشريعية كانت البلاد قد عاشت مثله لأكثر من سنتين في سدة رئاسة الجمهورية قبل إنهائه في 31 تشرين الاول الماضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبلاد.
ولكن هذه الـ«لا» تحمل في طيّاتها احتمال تلافي الفراغ باللجوء الى التمديد النيابي مجدّداً تحت عنوان انّ المجلس «سيّد نفسه» ويستطيع ان يجتمع في ربع الساعة الاخير من ولايته ويمدّد لنفسه لضمان استمرار العمل في المرفق العام الى حين انتخاب مجلس جديد.
على انّ هذه اللاءات الثلاث التي اعلنَها بري على وقعِ التواصل القائم بين الافرقاء المعنيين في شأن قانون الانتخاب، سوف تتفاعل ليتحدّد في ضوئها ما إذا كان مجلس الوزراء سيضع يده على ملف الاستحقاق النيابي أم لا بعد انتهائه في جلسته غداً من درس مشروع قانون الموازنة.
بعض المعنيين، يتوقعون ان يبادر هذا المجلس الى هذا الامر، بعدما تبيّن انّ اللجنة الرباعية التي كانت قد كُلِّفت صوغَ مشروع القانون الانتخابي وصَلت في مهمتها الى طريق مسدود، وبات من الافضل «إعطاء الخبز للخبّاز»، لأنّ مهمة إقرار قانون الانتخاب هي من صلاحية مجلس الوزراء مجتمعاً، وهو في إمكانه إذا ارتأى ان يكلّف لجنة من اعضائه وضعَ الصيغة او الصيَغ المطلوبة لقانون الانتخاب ثمّ يدرسها ويقرّ في صيغة واحدة ويحيلها الى مجلس النواب ليقرّها.
ويبدو أنّ ما اعلنَه بري اخيراً من موقف يضع فيه الحكومة امام مسؤوليتها لإنجاز قانون الانتخاب قد تفاعلَ في الاوساط المعنية والسياسية، خصوصاً أنه من اولى المهمّات التي تعهّدتها في بيانها الوزاري، وما إعلان الرئيس سعد الحريري أمس أنّ الحكومة إذا لم تقرّ قانون الانتخاب الجديد تكون فاشلة، إلا دليل على تلقّفِه موقفَ بري وتأكيد منه انّ حكومته ستضع يدها على هذا الملف وتبتّ به.
علماً أنّ الرجل لا يريد لحكومته الفشلَ، وهو يعوّل عليها أن تحقّق إنجازات يمكنه البناء عليها لخوض الاستحقاق النيابي المقبل والخروج منه برصيد تمثيلي مقبول يعيده مع المجلس النيابي المقبل الى سدّة رئاسة الحكومة مجدداً.
والبعض يقول إنه رغم التشاؤم السائد حول ملف الاستحقاق النيابي، فإنه سيتمّ في لحظة ما الاتفاق على قانون انتخاب بغضّ النظر عن إمكان إجراء الانتخابات على أساسه في أيار أو ايلول المقبلين أم لا، وذلك لأن لا العهد ولا رئيس الحكومة يتحمّلان انتكاسةً معنوية كبرى في حال فشلِهما في إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق القانون الموعود.